غير أن ذلك كله لم يفِ في نظري بحقه وهو الكاتب الذي اختصّه الخليفة المأمون (السياسي الأديب) من بين كتابه ووزرائه، فقلّده الكثير من المهام، وأناط به عدداً من الدواوين ثقة ببلاغته، وقناعة بأدبه وبَيانه، واطمئناناً إلى رجاحة عقله؛ فقد وقف كثير من تلك الدراسات عند ذِكرِه فقط، وبعضها أشار إلى حياته، وأورد بعض نثره، وحكم عليه ببعض الأحكام النقديّة غير المعلّلة، وتُعدّ دراسة الأستاذ محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان أوفى هذه الدراسات، بل إن بعضاً مما جاء بعدها يُعدّ تابعاً لها، فهي دراسة رائدة عن هذا العَلَم من أعلام النثر الفني، غير أنها بقيت قاصرة عن الوفاء ببيان القيم والسمات الفنية لهذا النثر الذي من أجله اشتُهِر صاحبه، كما افتقدت هذه الدراسة التوثيق العلمي للنصوص التي اعتمد عليها، مما يُعدّ ضرورة في البحث العلمي بعامة وفي دراسة مثل هذه الشخصية، ونثره الذي ضاع أكثره بخاصّة.
لهذا كله توجّهت همّتي إلى دراسة هذا الموضوع ((عمرو بن مسعدة الصوليّ (السيرة، والتراث النثريّ) دراسة أدبيّة)) ،إذ لا يزال بحاجة إلى دراسة علمية مستقلة، تفصّل حياته، وتكشف عن فنون نثره وموضوعاته، وتُميط اللثام عن خصائصه وسماته الفنية، وتُبرِز أسرار تفوّقه، مما قصرت عنه تلك الدراسات، والإلماحات من لدن بعض دارسي الأدب، ونقاده، كما تضم شتات أخباره، وتلمّ ما بقي من نثره متفرقاً في المصادر، والإفادة من ذلك كله في هذه الدراسة التي أطمح أن تَفِيَ هذا الموضوع حقه من البحث العلمي الجادّ.
وقد جاء هذا البحث في فصلين:
الفصل الأول: سيرة ابن مسعدة، وفيه تحدثت عن: أسرته، واسمه، ومراحل حياته، وصفاته وأخلاقه، وعقيدته، وبلاغته، ووفاته.
أما الفصل الثاني: فهو عن تراث ابن مسعدة النثريّ (فنونه، وخصائصه الفنية) .