لا أعلم على وجه التحديد سنة ولادة ابن مسعدة، شأننا في ذلك شأننا مع كثير من الأعلام؛ لعدم توفر المعلومات الخاصّة بهذا الموضوع، إذ يبقى الشخص كغيره من الناس مجهولاً أو مغموراً أول ما يفتح عينيه على الدنيا، ثم يعلو شأنه، وينبه أمره، فتتجه إليه الأنظار وقد تجاوز مرحلة من مراحل العمر، لم تحظ في الغالب بالاهتمام والتسجيل من لدن مؤرخي عصره، وشهوده.
كما أنني لم أقف على شيء من تفاصيل حياته المبكّرة، وعلى الرغم من ذلك فمن المرجّح أنه عاش في كنَف والده (مسعدة بن صول) الكاتب المعروف ببلاغته وقوة بيانه، وأنه حظي منه بتربية حسنة، ورعاية جيدة لمواهبه وقدراته الفنية؛ مما كان له أثر بيّن في إعداده وتهيئته؛ ليكون في قائمة كتاب الدواوين البارزين، الذين حظوا بإعجاب العامة والخاصة، وتقديرهم.
وأول ماظهر لنا ابن مسعدة في زمن البرامكة، حيث كانت لهم صولة وجولة في عهد الرشيد (١٧٠هـ=١٩٣هـ) ، قبل أن يقلب لهم ظهر المجن، فقد كان عمرو من المقرّبين لدى جعفر بن يحيى البرمكي (١) ، ومن الكُتّاب بين يديه، كما يحدّثنا عن ذلك بقوله:((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي ... (٢)) ) .
وبعد أن أَفَلَتْ شمس البرامكة، وبَزَغتْ شمس بني سهل في ظل الخليفة المأمون، نرى ابن مسعدة متصلاً بالفضل بن سهل، المدبّر لشؤون المأمون حين كان يحكم من مرو الولايات الشرقية، وظلا جميعاً في مرو حتى سنة: ٢٠٢هـ، ثم غادراها إلى بغداد وفي الطريق قُتِل الفضل (٣) ، ومضى عمرو إلى بغداد، لينعم فيها بأفضل عيش، وأكرم مقام في ظل الخليفة المأمون، الذي أدناه منه، وقربه إليه.