وكان الخليفة المأمون على رأس أولئك الذين أُعجبوا ببلاغة ابن مسعدة، وأشادوا ببيانه ((قال حمدون بن إسماعيل: دخلت على المأمون يوماً (وهو في بعض صحون بساتينه يمشي حافياً، وفي يده كتاب يصعّد بصره فيه، ويصوّبه) فالتفت إليّ وقال: أحسبك راعك ما رأيته! قلت: وأيّ شيء أروع لي من نظري إلى سيدي يمشي حافياً، ويقرأ كتاباً قد شغله، وأذهله، فقال لي: إنّي سمعت الرشيد يقول شيئاًلم أتوهمه يَنْسَبِكُ على حقيقته، وهو أنه قيل لبعض البلغاء: ما البلاغة؟ قال: التقرّب من المعنى البعيد، والتباعد من حشو الكلام، والدلالة بالقليل على الكثير، وهذا كتاب عمرو بن مسعدة، قد أتى في حرفين بما كان يأتي به غيره في طومار، وصف حال الجند وطاعتهم. ثم دفعه إليّ، فإذا فيه: كتابي إلى أمير المؤمنين ومَنْ قِبَلي من أجناده وقواده من الانقياد للطاعة على أحسن ما تكون طاعة جند تأخّرت أرزاقهم، واختلّت أحوالهم، والسلام (١)) ) ، وكان من نتيجة ذلك أن ((قال المأمون: والله، لأقضيّنّ حق هذا الكلام، وأمر بإعطائهم لثمانية أشهر (٢)) ) ، وفي بعض المصادر أن المأمون ((جعل يردّد فيه النظر ثم قال لأحمد ابن يوسف: لعلك يا أحمد فكرت في ترديدي النظر في هذا الكتاب. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال ألم تر يا أحمد إلى إدماجه المسألة في الإخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار؟ ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر (٣)) ) .
وعدّه ابن الأبّار (٤) من جملة أولئك الكتّاب الفرسان مثل ابن المقفع (ت:١٤٣هـ تقريباً) وسهل بن هارون (ت:٢١٥هـ) ، والحسن بن سهل (ت:٢٣٦هـ) ، وإبراهيم بن العباس (ت:٢٤٣هـ) وغيرهم من الفصحاء والبلغاء ممّن اقتفوا أثر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وساروا على طريقته في القول.