ومما توفر لديَّ من أخبار ابن مسعدة يتبيّن أنه كان يجمع إلى ثقافته الأدبية ثقافة إسلامية، فقد أسند الحديث عن المأمون، كما ذكر ذلك الخطيب البغداديّ (ت:٤٦٣هـ) بقوله: ((أخبرنا عبيد الله بن عبد العزيز بن جعفر البرذعي وعلي ابن أبي علي البصري والحسن بن علي الجوهري، قالوا: أخبرنا محمد بن عبيد الله بن الشخير حدثنا أحمد بن إسحاق الملحمي حدثني عمارة بن وثيمة أبو رفاعة حدثنا علي بن محمد بن شبيب عن عمرو بن مسعدة قال: سمعت المأمون أمير المؤمنين يقول: حدثني أبي عن أبيه عن عمه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه آدب لهم (١)) ) .
لهذين السببين وغيرهما صار ابن مسعدة ذا بلاغة وفصاحة، وقد أشاد ببلاغته كثير من، والأدباء، والوزراء، والكتاب، فقال عنه الفضل ابن سهل:((هو أبلغ الناس، ومن بلاغته أن كل أحد يظن أنه يكتب مثل كتبه، فإذا رامها تعذّرت عليه (٢)) ) .
وقد تحدّث عن نفسه، فقال:((كنت أوقِّع بين يديْ جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليّ، وقال: أجب عنها، فكتبت: قليل دائم خير من كثير منقطع، فضرب بيده على ظهري، وقال: أيُّ وزير في جِلدِك (٣)) ) . وهذه الشهادة لعمرو بالبروز والإجادة شهادة لها قيمتها، لأن المدلي بها وهو جعفر بن يحيى صاحب خبرة ودراية، وتجربة طويلة في هذا المجال، وقد عُرِف بهذا الفن (أعني التوقيعات) وعُرف الفن به فقد كان ((يوقّع القصص بين يديْ الرشيد، ويرمي بالقصة إلى صاحبها، فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها، حتى قيل: إنها كانت تباع كل قصة منها بدينار (٤)) ) .