وهنا تغيب عن سماء الأدب، والفكر، والسياسة، شخصية من الشخصيات البارزة في تاريخ الحركة العلمية، والأدبية في أمتنا الإسلامية العربية، بعد أن أُدرِج اسمه في قائمة الكتاب الروّاد، الذين أسهموا بشكل كبير في تطوّر النثر العربي، وتوفير العناصر والمقوّمات الفنية اللازمة لنموّه، وازدهاره.
الفصل الثاني: تراث ابن مسعدة النثري (فنونه وخصائصه)
مدخل (ضياع أدبه) :
عُرِف ابن مسعدة أديباً كاتباً كان له حظ من الشعر كما كان له حظ من النثر، فقد ذكر ابن النديم (١) أن له ولأخيه مجاشع ديواناً يبلغ خمسين ورقة، وذكر الذهبي (٢) أن له نظماً جيداً، وعدّه بعضهم من أصحاب الأبيات المفردة (٣) ، في حين رأى الجهشياري على ماينقل عنه الصيرفيّ (٤) أنه لم يقل إلا بيتاً واحداً، وقد ورد هذا البيت في موضوع التوقيعات.
ورأي الجهشياري هذا يدفعه ما وجدت لابن مسعدة من أبيات تنقض القول: بأنه ليس له إلا بيت واحد، ثم إن هذا القول الذي ينسبه الصيرفي للجهشياري غير مذكور في كتابه ((الوزراء والكتاب)) الموجود بين أيدينا مما يدفعني إلى الشك بعض الشيء فيه؛ وحتى لو كان الصيرفيّ صادقًا فيما نسبه إلى الجهشياري، ولكنه في نسخة أخرى للكتاب لم تصلنا بعد، فإني أرجِّح ما ذكره ابن النديم، والذهبي سابقاً؛ حيث وجدت له من الشعر وإن كان قليلا ما ينقض القول: بأنه ليس له إلا بيت واحد.
ولكن للأسف لا يزال هذا الديوان وهذا النظم طيّ الضياع إلى يومنا هذا، وهو مصير آل إليه جُلّ نثره الذي حاز به قصَب السبق في الكتابة العربية، كما نال به وصف البراعة والبلاغة ممن كتب عنه قديماً وحديثاً، وسطّر اسمه في سجل الكتاب النابهين الذين نهجوا في الكتابة نهجاً، ظل سلوكه وترسُّم أصوله وقواعده هدفاً لكل من أراد التفوّق والإبداع.