وأكبر دليل على هذا الضّياع أن الدارس لا يكاد يعثر له في المصادر إلا على نُتَف يسيرة لو لم يكن له سواها لما نال هذه المنزلة وتلك الشهرة الرفيعة في مسيرة الحركة الأدبية في عصره، وما ذكره الزركلي (١) من أن لابن مسعدة في كتب الأدب كثيرًا من الرسائل والتوقيعات، رأي في نظري ليس له ما يؤيده من الواقع؛ إذ إن الباحث عن هذه الرسائل والتوقيعات له في كتب الأدب لا يعثر على ما يثبت قول الزركلي آنف الذكر.
وثَمّة أمر آخر يدفعني إلى الجزم بضياع كثير من نثره هو ما وقفت عليه من بعض حديثه عن نفسه قائلاً:((كتبت إلى عامل دَسْتبى (٢) كتاباً أطلته، فأخذه المأمون من يدي وكتب: قد كثر شاكوك فإمّا عدلتَ وإما اعتزلتَ (٣)) ) .
فأين هذا الكتاب الطويل الذي كتبه فلم يعجب المأمون! قد يكون ابن مسعدة نفسه أتلفه، أو لم يظهره طالما أنه لم يحظ بإعجاب الخليفة، والنتيجة أنه قد ضاع بلا شك مع ما ضاع من تراثه.
هذا بالإضافة إلى ما ذكره ابن عبد ربه (ت:٣٢٧هـ) من أن عمرًا بن مسعدة كتب إلى ضَمرة الحَروري كتاباً، فنظر فيه جعفر بن يحيى، فوقّع في ظهره: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز مقصّراً (٤) . ولا زال هذا الكتاب في عداد المفقود من نثر ابن مسعدة.
إن الناظر في ما بقي بين أيدينا من أدب عمرو بن مسعدة يجزم جزماً قاطعاً بأنه قد ضاع كثيرٌ منه مع ما ضاع من تراثنا الأدبي ((والمظنون أن لو كانت جُمِعتْ له رسائله على إيجازها لكان منها ديوان كبير؛ لأنه صرف أعواماً طويلة وهو قابض على يراعته يعالج بها الموضوعات المهمة في ذاك المجتمع العظيم (٥)) ) .