ولا أشك أن انشغاله بخدمة الخليفة والعمل في بلاطه كاتباً، وتحمَّله أعباء كثيرة من أعباء الدولة ((لم تترك له وقتاً يصرفه في درس خاص، أو وضع كتاب أو رسالة، وما تلقطه العلماء والأدباء من كلامه هو مما رواه له المعجبون به (١)) ) . هذا بالإضافة إلى ما نال بعض تراث الأمة بعامة من الضياع، من جرّاء ما مُنيت به من المصائب والنكبات على مدى تاريخها الطويل، وعلى وجه الخصوص من عدو دينها، وعروبتها الصليبيين الحاقدين، الذين بلغ بهم الحقد، وحب الفساد في الأرض إلى أن يرموا في البحركثيراً من التراث الفكري والعلمي والأدبي لهذه الأمة المنكوبة، حتى تغيّر لون ماء البحر الغزير بمدادِ هذا التراث الزاخر.
وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكننا من خلال ما احتفظت به بعض المصادر من نثره على قلّته أن نتبيّن بعض فنونه النثرية، والموضوعات التي تناولها، والمعاني والأفكار التي عبّر عنها.
كما يمكننا أن نتبيّن بصدق وموضوعيّة بعض السمات والخصائص والقِيَم الفنيّة التي اتسم بها نثره، من حيث المضمون والشكل.
أولاً: فنونه النثريّة:
أولاً: الرسائل:
وتنقسم قسمين هما:
١ الرسائل الديوانية:
فقد كان عمرو بن مسعدة كاتب المأمون، ولسانه إلى ولاته، وأفراد شعبه، والناطق الرسمي المتحدّث باسمه فيما يجد في الدولة من شؤون، وأحوال؛ وقد وقفت على بعض الرسائل التي كتبها على لسان أميره، ووليّ نعمته (الخليفة المأمون) .
وخير ما يمثّل لنا هذا اللون من الرسائل ما كتبه على لسان المأمون إلى نصر ابن شَبَث (٢)(وكان أحد الخوارج عليه) :