((أما بعد فإنك يا نصر بن شَبَث قد عرفت الطاعة وعزها، وبرد ظلها، وطيب مرتعها، وما في خلافها من الندم والخسارة، وإن طالت مدة الله بك فإنه يُملي لمن يلتمس مظاهرة الحجة عليه؛ لتقع عبرة بأهلها على قدر إصرارهم واستحثاثهم. وقد رأيت إذكارك وتبصيرك لما رجوت بما أكتب إليك موقعاً منك، فإن الصدق صدق، والباطل باطل، وإنما القول بمخارجه وبأهله الذين يُعنَون به، ولم يعاملك من عمال أمير المؤمنين أحد أنفع لك في مالك ودينك ونفسك، ولا أحرص على استنقاذك والانتياش لك من خطئك مني، فبأي أول أو آخر أو واسطة أو إمرة، إقدامك يا نصر على أمير المؤمنين تأخذ أمواله، وتتولى دونه ما ولاه الله؟ وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا أو وادعاً أو ساكناً أو هادئاً فواعالم السر والجهر، لئن لم تكن للطاعة مراجعاً، وبها خانعاً لتستوبلن وخم العاقبة (١) ، ثم لأبدأنّ بك قبل كل عمل، فإن قرون الشيطان إذا لم تُقطَع كانت في الأرض فتنة وفساداً كبيراً، لأطأنّ بمن معي من أنصار الدولة كواهل الرعاع أصحابك، ومن تأشب من أدنى البلدان وأقاصيها وطغامها (٢) وأوباشها (٣) ، ومن انضوى إلى حوزتك من خُرّاب الناس، ومن لَفَظَهُ بلدُه، ونَفَتْهُ عشيرتُه لسوء موضعهم فيهم، وقد أعذر من أنذر والسلام (٤)) ) .
هنا نرى الكاتب يتدرّج في خطابه لذلك الخارج عن الطاعة، فيذكِّره قيمتها، وما فيها من أمن واستقرار يحسّه الإنسان في نفسه، وما في خلافها من المصائب والويلات، ويظهر لنا من خلال تقرير هذا الحقيقة التظاهر باحترام رأي الخصم، طمعاً في إنابته ورجوعه وخضوعه دون اللجوء إلى القوة لإرجاعه.
ثم يذكّره بما امتنّ به عليه أمير المؤمنين، مما لم يحظ به من غيره، وهي منّة فيها حفظ لماله ولدينه ولنفسه من أن ينال شيئاً منها الفساد والإضرار.