ويسأله في دهشة، واستغراب، واستنكار شديد: كيف يقدم على الخروج عن طاعته، والاستقلال بالولاية عنه! ثم يتوعده وعيداً لا هوادة فيه أنه سيبدأ به، وأنه سيقضي عليه وعلى أعوانه المارقين.
من ذلك أيضاً ما ورد من أن المأمون خرج ((يوماً من باب البستان ببغداد، فصاح به رجل بَصْريّ: يا أمير المؤمنين، إني تزوجت بامرأة من آل زياد، وإن أبا الرازي (١) فرق بيننا، وقال: هي امرأة من قريش، فأمر المأمون عمرًا بن مسعدة فكتب إلى أبي الرازي: إنه قد بلغ أمير المؤمنين ما كان من الزياديّة وخلعك إياها إذ كانت من قريش، فمتى تحاكمت إليك العرب لا أم لك في أنسابها؟ ومتى وكلتك قريش يا ابن اللخناء (٢) بأن تلصِقَ بها من ليس منها؟ فخل بين الرجل وامرأته، فلئن كان زياد من قريش إنه لابن سُميّة، بغيّ عاهر لا يفتخر بقرابتها، ولا يتطاول بولادتها، ولئن كان ابن عبيد الله لقد باء بأمر عظيم، إذ ادّعى إلى غير أبيه لِحَظٍّ تعجّله، ومُلكٍ قهره (٣)) ) .
والموضوع هنا إنكار موقف يرى الخليفة فظاعته، وشناعته فلا يقره، ولذا فإن الرسالة جاءت قوية في عباراتها، مُرعبة للمنكَر عليه، آخذة عليه قلبه وعقله، أشبه ما تكون بسابقتها من حيث قوة الأسلوب، وبلاغة العبارة، مع ما في هذا النص من الميل السياسي، والتحامل على الأمويين ابتغاء التقرّب من العباسيين.
ويولد للحسن بن سهل مولود فيكتب عمرو بن مسعدة على لسان المأمون كتاباً (٤) يهنئه فيه بمولوده الجديد فيقول:
((أما بعد: فإن هبة الله لك هبة لأمير المؤمنين، وزيادته إياك في عددك زيادة له في عدده لمحلك عنده، ومكانك من دولته، وقد بلغ أمير المؤمنين أن الله وهب لك غلاماً سرياً، فبارك الله لك فيه، وجعله باراً تقياً، مباركاً سعيداً زكياً (٥)) ) .