للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا النص يحتفل الكاتب بموضوع هذه الرسالة، فيضمنها كل معاني الغبطة، والمشاركة الصادقة في الفرحة بميلاد القادم الجديد، داعياً المولى عز وجل أن يجعله من مواليد السعادة، وأن يبارك فيه، ويرزقه البر والتقوى.

تحفل هاتان الرسالتان بكثير من عبارات الوعيد والتهديد، وقد سيطرت عليهما العاطفة الغاضبة المتأجّجة، والمشاعر الطافحة بالكره، والعزيمة على الانتقام، أما الرسالة الثالثة فقد جاءت مختلفة تماماً عن سابقتيها، فهي حديث قلب إلى قلب، وهاجس وُدّ إلى مودود، فلم يكن لابن مسعدة وهو الرجل الحصيف أن ينسى أو يغفل طبيعة العلاقة بين المأمون والحسن بن سهل، إذ كان الود بينهما على أشده، والعلاقة وثيقة، بلغت قمّتها بإصهار المأمون إلى الحسن، وزواجه بابنته بوران، فمن الطبعي إذن أن تأخذ الرسائل بينهما سبيلاً مختلفاً عما سلكته بين غيرهما.

وهكذا وبأدنى نظر فيما سبق يتبين لنا أن هذه الرسائل تتميّز بما يأتي:

أولاً: تعدّد موضوعاتها بتعدّد مَنْ وُجِّهتْ إليه، واختلاف أقدارهم عند المُرسِل، فمنها ما كان وعيداً وتهديداً، ومنها ما كان رفع مظلمة وجواب شكوى، ومنها ما كان تهنئة.

ثانياً: إحساس ابن مسعدة الصادق بأحوال الدولة، ومصالحها؛ مما جعله ينزّل نفسه منزلة من يكتب عنه وهو هنا أمير المؤمنين، فيحس إحساسه، ويشعر شعوره، فينطلق فيما يكتبه من قلبه وعقله، على الرغم من أن بعض الكتاب ((حين يخط رسالة ينفذ فيها أمر الديوان يتحدث بلسان غيره، ويتقمص شخصية أكبر منه أو مختلفة عنه، وربما كان في هذه الأوامر السلطانية ما يتنافى وطبع الكاتب، ومن الصفات ما لا يأنس له، ولا يحتفي به، ولكنه يطيع ما يؤمر به (١)) ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>