ثالثاً: البلاغة، وقوّة البيان؛ مما أكسب هذه الرسائل القدرة على التأثير، ففعلت فعلها في المتلقي والمستمع، نحو ما مرّ بنا من تعاطف المأمون مع الجند الذين تأخرت أرزاقهم، فشفع لهم الكاتب بكتاب استطاع به أن يستصدر أمراً من الخليفة، يأمر فيه بتعجيل أرزاقهم.
رابعاً: ما يحسه القارئ من التنويع في أسلوب هذه الرسائل حسب موضوعها، والموقف الذي كُتِبت فيه، فقد كان ابن مسعدة ((يكتب في شؤون الدولة بقلم كأنه السيف ما دعت الحاجة إلى الحزم، والشدة، وبقلم كأنه أنسام الصباح ما كانت المناسبة تدعو إلى الرقة والدعة (١)) ) .يظهر ذلك جلياً فيما كتبه عمرو بن مسعدة على لسان المأمون إلى نصر بن شبَث، وفيما كتبه أيضاً إلى أبي الرازي، وفيما كتبه على لسان المأمون إلى الحسن بن سهل يهنئه بمولود.
٢ الرسائل الإخوانيّة:
وهي تدور حول ((مخاطبة الغائب بلسان القلم، وفائدتها أوسع من أن تُحصر من حيث إنها ترجمان الجنان، ونائب الغائب في قضاء أوطاره، ورباط الوداد مع تباعد البلاد، وطريقة المكاتبة هي طريقة المخاطبة البليغة مع مراعاة أحوال الكاتب والمكتوب إليه والنسبة بينهما (٢)) ) .
وقد تناول الكُتَّاب في العصر العباسي كثيراً من الموضوعات التي تناولها الشعراء مثل النسيب، والهجاء، والمديح، والعتاب، وغيرها، وفاقوا أحياناً الشعراء في ذلك ((لأنهم نقلوا إلى النثر محاسن الشعر من الاستعارة، والتشبيه، والخيال (٣)) ) هذا مع خلوّه من قيد الوزن والقافية، الذي يكبح من جماح الشاعر، ويقيّده عن الاسترسال.
وكان للمنزلة التي تبوّأها الكتاب في العصر العباسي، وما حظوا به من تقدير العامة والخاصة أثر في مزاحمة النثر الشعر في التعبير عن الموضوعات الشعرية والخواطر النفسية.
فليس غريباً إذن أن ينهج ابن مسعدة هذا المنهج، فيعبّر نثراً عن أحاسيسه، ومشاعره تجاه من تربطه بهم أواصر وُدٍّ، أو وشائج قربى.