ومثل ذلك كثير عند ابن مسعدة، غالب على نثره، وقد مرّ بنا في ثنايا البحث نماذج كثيرة لا ضرورة لتكرارها، تدل دلالة قاطعة علىشيوع الجمل القصيرة في كتابات ابن مسعدة ((حتى تحوّلت الكتب عنده إلى كلمات قصار، ككلمات التوقيعات، بل لعلها أشد قِصراً، وأقوى منها حدّة. وما نشك في أنه تأثر في هذا الاتجاه بالحِكم الكثيرة التي تُرجِمت في عصره، على نحو ما نرى في الأدب الصغير والكبير لابن المقفّع، وكأنه أراد أن يجعل كتبه أو على الأقل طائفة منها حِكماً وأمثالاً تدور على ألسنة الكتاب والأدباء (١)) ) .
كل ذلك قد أسهم في تحقيق بعض القيم الفنية المهمة للمضمون والشكل على حد سواء. ومن ذلك:
١ وضوح المعنى؛ إذ يتيح قِصَر الجمل الفرصة للقارئ، والمستمع؛ لاستحضار قواه الذهنية، مما يمكّنه من استيعاب ما يعبّر عنه من معانٍ جزئية، في قوالب تعبيريّة مقطّعة، موجزة.
٢ قوّة الأسلوب، مما ينتج عنه قدرة الكاتب على التأثير في المتلقي، وهذا في حد ذاته هدف أساس للكتابة الأدبية بعامة.
٣ توفير قدرٍ لا بأس به من الجرس والإيقاع الصوتي؛ إذ تكوّن هذه الجمل القصيرة مقاطع إيقاعية متعادلة ومتوازنة ومتناغمة، تمنح النص قدراً من إيقاع النثر وجَرْسه الموسيقيّ الجميل.
• • •
الخاتمة:
في هذا البحث تناولت بالدراسة سيرة عمرو بن مسعدة العامة، والخاصة، ذلك العَلَم الذي حظِي بمكانة مرموقة في الدولة العباسية في عصرها الأول.
كما تناولت بالدراسة والتحليل إبداعه النثري، محاولاً بذلك تجلية أبرز جوانبه وقِيمه الفنية التي كانت سبباً في تفوّقه وخلوده.
وقد توصّلت من خلال هذه الدراسة إلى عدد من النتائج من أبرزها:
أولاً: ضياع كثير من نثر ابن مسعدة، فقد كشفت هذه الدراسة بما لا يدع مجالاً للشك أن ما بقي بين أيدينا من هذا النثر لا يمثّل إلا النزر اليسير مما أبدعه فكره، وخطّه يراعه.