أولهما: قدرته الفنية على سؤال الحاجة من الخليفة بأسلوب الإخبار، وفي ذلك لطافة من جهة التعريض والتلميح بالحاجة دون التصريح بها.
ثانيهما: مخاطبته الخليفة بكلام موجز، بعيد عن الإطالة، وفي ذلك راحة لمن وُجِّه له.
وقد وُفّق الكاتب في هذا الصنيع، إذ إنّ الإيجاز ((ينبغي أن يستعمل في مخاطبة الخاصّة، وذوي الأفهام الثاقبة الذين يجتزئون بيسير القول عن كثيره، وبجُمَلِه عن تفسيره...وفي الجوامع التي تُعْرض على الرؤساء فيقفون على معانيها، ولا يشغلون بالإكثار فيها (١)) ) . والمأمون من جملة أولئك بل على رأسهم؛ فقد عُرِف بعلمه، وأدبه، وبلاغته، وبيانه.
فيما سبق يتبين لنا أثر واحد من آثار بلاغة ابن مسعدة، إذ كان كلامه سبباً في التعجيل بالهبة، فلم يقف أثر هذه البلاغة عند حد الإعجاب، فقط بل تجاوز ذلك لتفعل تأثيرها في المستمع، وهو هنا من عِلْية القوم.
وهكذا يظل الإيجاز سمة غالبة على نثر عمرو، لم يتجاوزه في جميع ما تبقّى بين أيدينا من نثره.
ثانياً: قِصر الجُمَل:
جاءت النصوص الباقية بين أيدينا من نثر ابن مسعدة في مجملها جملاً قصيرة متوازنة، قد لا تتجاوز الواحدة منها كلمتين أو ثلاث، نتبيّن ذلك كثيراً فيما كتبه جواباً لكتاب وصله من صديق له، وقد أوردت هذا الرسالة كاملة في موضوع الرسائل الإخوانية، فلا ضرورة للتكرار هنا.
كما نتبين ذلك أيضاً في قوله ((أعظم الناس أجراً، وأنبههم ذكراً، من لم يرض بموت العدل في دولته، ويتوخى ظهور الحُجّة في سلطانه، وإيصال المنافع إلى رعيته في حياته. وأسعد الرعاة من دامت سعادة الحق في أيامه، وبعد وفاته وانقراضه (٢)) ) .