للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الكتاب على قِصَرِه ((يصوّر المهارة العقلية التي كان يحتاجها كاتب الديوان في العصر العباسي، فهو يحتال في كتاباته، وهل في هذا الخطاب سوى الاحتيال بصورة طريفة عن الفكرة التي يريد الكاتب أن يؤديها؟ (١)) ) .

وذكر الجرجاني (ت:٧٢٩هـ) أن إيجاز القصر على نوعين وكلام ابن مسعدة هذا من النوع الثاني منه ((وهو أن يؤتى بألفاظ دالّة على معنى أو معانٍ محملة إذا فُصِل أو فُصِلت صارت معانيَ كثيرة (٢)) ) .

وكلام ابن مسعدة المتقدم من الإيجاز المحمود الذي عرّفه ابن خفاجة بقوله: ((هو إيضاح المعنى بأقلّ ما يمكن من اللفظ (٣)) ) .

وعندما ننظر فيما بقي بين أيدينا من نثر ابن مسعدة نجده لم يخرج في إيجازه عن سَنَن الفصحاء والبلغاء، الذين استحسنوا الإيجاز في بعض المواضع مثل الاعتذار، والشكر، ومخاطبة الخاصة، ونحو ذلك، فقد عرفناه حسن السياسة للأمراء والولاة، حسن الصحبة لهم، أديباً في مخاطبتهم، موجزاً في حديثه إليهم، ولم يكن ذلك خافياً عليهم، يظهر ذلك فيما روي عن عمرو بن مسعدة أنه كتب إلى المأمون: ((كتابي إلى أمير المؤمنين ومن قِبَلي من أجناده وقواده في الطاعة والانقياد على أحسن ما يكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم، واختلت أحوالهم. فقال المأمون: والله، لأقضين حق هذا الكلام، وأمر بإعطائهم لثمانية أشهر. فجعل يردّد فيه النظر ثم قال لأحمد بن يوسف: لعلك يا أحمد فكرت في ترديدي النظر في هذا الكتاب. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال ألم تر يا أحمد إلى إدماجه المسألة في الإخبار، وإعفاء سلطانه من الإكثار؟ ثم أمر لهم برزق ثمانية أشهر (٤)) ) .

وقد بيّن المأمون فيما تقدّم سرّ إعجابه بالتفوّق الفنيّ الذي أحرزه كتاب ابن مسعدة إليه في شأن رجل من دهاقين قريش وكذا في شأن الجند، وهو يرجع إلى أمرين:

<<  <  ج: ص:  >  >>