و" التراجيدي " مصطلح جمالي مبنيّ - من حيث المفهوم المجرّد - على كلّ ما له علاقة بالمأساة ٠ ويقابله المأساوي، أو المأسوي ٠ وهو يشكّل، بعد تحوّله من المفهوم إلى القيمة، أحدَ الموضوعات الأثيرية التي تستهوي المبدعين ٠ لذلك فالتراجيدي يُعَدُّ من أبرز مظاهر الإبداع الأساسية إلى جانب الجميل والقبيح والكوميدي والجليل ٠
وللحضور التراجيدي المميّز في العمل الفني أسباب كثيرة، أبرزها اثنان: يتمثّل الأول في موت الجميل الذي يولِّد، غالباً، شعوراً مأساويّاً بمستوى معيّن لدى المبدع الذي يجسّده في عمله الفني تعبيراً أو تصويراً ٠ ويتمثّل السبب الثاني في عدم الانسجام بين " المَثَل الأعلى " الذي يرغب الإنسان في تحقيقه، وبين محيطه الاجتماعي والثقافي ٠ أي الشعور الذي يتولّد لدى المبدع حين تُقيّدُ طموحاته، وآماله لأسباب معينة، أو تنكسر ٠ وهذا يولّد غالباً إحساساً عميقاً بالحزن، أو بخيبة الأمل ٠
لذلك فالتراجيدي، في الفن، قيمة جمالية تعني التعبير عن المأساة بسبب انعكاس حدث معيّن على المبدع يُجسّده عادة عبر الصورة الفنية، أو بوسائل أخرى ٠
و" علم الجمال " يتناول التراجيدي بوصفه مفهوماً جمالياً حُوِّل إلى قيمة في العمل الإبداعي ٠ وهو لذلك يدرس التراجيدي في الفن عبر مستويين:
أ -: قيمة التراجيدي التي تحوّلت من الفكرة المجرّدة إلى الإحساس الذاتي المصاغ صياغة فنية، وملامحها، وعلاقتها بالقيم الأخرى من حيث المساحة والمجاورة والبنية ونمط التفاعل ٠
ب -: الشكل الفني الذي جسّد المبدعُ موضوعَه فيه، ومدى انعكاس المحتوى التراجيدي وتغلغله ضمن هذا الشكل الفني عبر الموسيقى والإيقاع، والمفردة، والصورة الفنية، والمناخ ٠ فإذا حدث مثلُ هذا التعالق فغالباً ما يكون المبدع موفّقاً ٠
والشعر الجاهلي أعطى مساحة واسعة للتراجيدي في نصوصه ٠ حتى لا يمكن لنا أن نقرأ هذا الشعر دون الاهتمام بهذا الجانب ٠