من خلال قراءة مجملة للنصوص الطلليّة السابقة نلاحظ أنها بُنيت أساساً على"التراجيدي"؛ أي لتجسّد عن طريق الشعر الشعورَ المتضخّم بالمأساة ٠ وقد بُني " التراجيدي" فيها على موت الجميل في المكان والزمان ٠فالمكان اندثر، أو أصبح رسماً يصعب التّعرّف إليه، والزمان لن يعود مرّة أخرى، والّلقاءات الجميلة التي كانت ماتت ٠ وهذا هو المركز الأساسي للتراجيدي في هذه السّياقات ٠ ويمكن تعميمه على الشعر الجاهلي برمّته فيما يخصُّ موقف الأطلال ٠
لقد أكّدت النصوص السّابقة على ما يلي سعياً وراء تجسيد قيمة التراجيدي فنياً وجمالياً:
١-: أكّدت جميع النصوص علىعامل الزمن، وعدّته أساسيّاً في صياغة " المأساوي " ٠ ونحن نجد فيها دائماً زمنين متقابلين هما: " الماضي" الذي ازدهرت فيه الحياة، والحاضر الذي انتعش فيه الموت ٠ وبين الماضي الذي يصرُّ الشاعر على استحضاره، باعتباره موجوداً، وبين الحاضر الذي يراه الشاعر أمامه وقد أصبح أطلالاً دارسة، يكبر الحزن، وتشتعل المأساة، وتحفر أخاديد في مشاعر الشاعر ٠
ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنّ الّلقاءات الجميلة التي حدثت في الزمن الماضي كانت مرتبطة بمرحلة الشباب الذي يمثّل القوة والعطاء والنشاط ٠ لذلك فالشباب الذي أفلَ، والديارُ التي أقفرت، والأحبة الذين كانوا سابقاً هنا، وتلاشوا في الماضي، وقلق الشاعر النابع من إصراره على استحضار الماضي، وقناعته الأكيدة بأن الحاضر جعل من الماضي بكلّ ما فيه رمالاً ٠ كلُّ ذلك يُعدُّ مرتكزاتٍ زمنية أساسيّة بُني عليها "الموقف الطّللي" الذي صاغ منه الشاعر الجاهلي " التراجيدي" ٠ وممّا كرّس كلّ ذلك وأكّده أنّ معظم "الأفعال" المستخدمة في النصوص جميعاً هي الأفعال الماضية التي تكشف بشكلٍ حسّي، ومباشر أنّ كلّ شيءٍ انتهى، و"لن يعود" ٠