وكان بعض الشعراء يواجه صعوبات كثيرة في التعرّف إلى تلك الأماكن التي أضحت رسوماً ٠ وحين يجدها كان يقول لها كلاماً جميلاً، وكأنّه يعزّي نفسه بما جرى لها ٠ ولكن هذا لا ينفي عمقَ الشعور التراحيدي لديه بل يؤكّده ٠
فهذا عنترة ينادي أطلال عبلة، ويحيّيها مرّتين بعد أن أضناه تعبُ البحث عنها:
يا دارَ عبلةَ بالجواءِ تكلّمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
فوقفتُ فيها ناقتي وكأنه
فدَنٌ، لأقضي حاجةَ المتلوّمِ
وتحلُّ عبلةُ بالجواء، وأهلنا
بالحزن، فالصمّان، فالمتثلّمِ
حُيّيتَ من طلل تقادمَ عهدُه
أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثمِ (١)
ويعود زهير بن أبي سُلمى إلى الديار بعد عشرين سنة، فيرصد لنا مشاعرَ مأساويّة مركّزاً فيها على تفاصيل المكان والزمان، ولا ينسى أن يحيّي التفاصيل بعد أن يتعرّف إليها ٠ يقول:
مراجعُ وشمٍ في نواشرِ معصمِ
ودارٌ لها با لرّقمتين كأنّها
فلأياً عَرفتُ الدار بعد توهُّم
وقفتُ بها من بعد عشرين حجةً
ونؤياً كجذم الحوض لم يتثلّمِ
أثافيَّ سُفعاً في معرَّسِ مرجلٍ
ألا أنعم صباحاً أيّها الربعُ واسلمِ (٢)
فلمّا عرفتُ الدارَ قلتُ لربعها
ويلخّص لبيد كلَّ ما تطرّق إليه غيرُه قائلاً:
بمنىً تأ بّدَ غولُها فرجامُها
عّفتِ الديارُ محلُّها فمقامها
خَلَقاً كما ضمِنَ الوحيّ سلامُها
فمدافعُ الرّيَّانِ عُرّيَ رسمها
حججٌ خلون حلالها وحرامُها
دمنٌ تجرَّمَ بعد عهدِ أنيسها
عوذاً تأجَّلَ با لفضاء بهامُها (٣)
وا لعِينُ ساكنة على أطلائها