للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُبِ، فا لشعبتانِ فا لأبلاءُ

لا أرى مَنْ عهدتُ فيها فأبكي ال

يومَ دلْهاً وماَ يُحيرً البكاءُ

وبعينيكَ أوقدتْ هندٌ النّا

ر َ أخيرا ً تُلوي بها العلياءُ

فتنوّرتَ نا رَها من بعيدٍ

بخُزارى، هيهاتَ منكَ الصِّلاءُ (١)

والشاعر، كما هو ملاحَظ بعد أن يُفصّل أشياء المكان، ينتقل إلى استثارة الشعور التراجيدي لدى المتلقي بعد أن يربط تلك التفاصيل بخلوّها من أهلها الذين كانوا يشغلونها ٠

ويترك النابغة التفصيل بأسماء الأمكنة ليفصّل بأشياء جزئية أخرى تتعلّق بالبيت، ربما كانت الحبيبة تستخدمها ٠ وهذه الأشياء تستثير لدى الشاعر شعوراً بالأسى والحزن، وبخاصة بعد أن يصحو من ذكرياته، ليكتشف أنّ كلّ شيء في المكان متروك ولا أحد فيه، أو حوله ٠ يقول:

يا دارَ ميَّةَ بالعلياء، فالسَّندِ

أقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ

وقفتُ فيها أصيلاناً أسائلُها

عيَّتْ جواباً وما بالربع من أحدِ

إ لاّ الأواريّ لأياً ما أبيّنها

والنؤيُ كالحوض بالمظلومة الجَلدِ

أمستْ خلاءً وأمسى أهلهُا احتملوا

أخنى عليها الذي أخنى على لُبدِ (٢)

وممّا يزيد الأمر بؤساً، ويجعل الشاعر أكثر شقاءً انطماس معالم الأمكنة، وصعوبة التعرف إليها ٠ ومن خلال مقارنة واضحة بين ما كان يجري في هذه الأمكنة، وبين قَفْرها الآن ينمو الشعور بخيبة الأمل، فيحسُّ أنّ الجميل ذهب، والأكثر من ذلك شعوره الأكيد بأنّ ذلك الجميل لن يعود أبداً ٠

يقول عبيد بن الأبرص مؤكّداً ذلك:

لمنِ الديارُ أقفرت بالجنابِ

غيرَ نُؤيٍ، ودمنةٍ كالكتابِ

غيّرتها الصَّبا ونَفْحُ جنوبٍ

وشمالٍ تذرو دُقاقَ الُّترابِ

أوحشتْ بعدَ ضُمَّرٍ كالسّعالي

من بناتِ الوجيهِ أو حَلاّبِ (٣)

ويدعم هذا الموقف طرفة بن العبد قائلاً:

لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمدِ

تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليد (٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>