كانت تتنازعها في هذا الصدد فكرتان تذهب إحداهما إلى إصدار إعلان لجملة متوازنة من الحقوق والواجبات بينما تذهب الأخرى إلى الاكتفاء بإعلان حقوق؛ وظهر ذلك في صياغتين للإعلان أعدّهما مكتبان متفرِّعان من الجمعية الوطنية؛ وفي لحظة معينة كادت تنتصر النزعة المعتدلة المتوازنة وكاد يصدر إعلان ذو طبيعة مزدوجة، لكن النزعة الفردية غلبت في النهاية وحدّدت طبيعة الاعلان (١) . إننا هنا أمام تعبير صريح عن النظرية الغربية الليبرالية للقانون: الفرد سيِّد مطلق، إنه إلهُ نفسِه وخالق تصرّفاته، ووظيفة القانون أن يضع الحدود التي تحمي الحرية الفردية المطلقة وتكفل تمتع الجميع بها على قدم المساواة. ومن الطبيعي إذن أن تكون سلطة الأمة في إعلان ١٧٨٩ سلطة مطلقة؛ وهو ما نجده واضحاً في المادة الثالثة منه:((السلطة تكمن جوهرياً في الأمّة)) ؛ فالنص يجعل الأمة كائناً سياسياً قائماً بذاته، يستمدّ سلطته من نفسه لا من خارج، أي هو يجعلها كائناً مطلقاً. إنّ آباء الثورة الفرنسية، أعضاء الجمعية الوطنية، وهم في غالبيتهم تلاميذ مدرسة جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau (١٧١٢ - ١٧٧٨) يكرِّسون هكذا نظريته حول سيادة الإرادة العامة La Souverainete de La Volonte generale. فالإرادة العامة، عند روسو، هي دائماً في الاتجاه الصحيح، لأن ما هي عليه فعلياً هو نفسه ما ينبغي أن تكون عليه؛ إنها قانون نفسها ولا يوجد أي قانون أساسي ملزم لها حتى ولو كان العقد الاجتماعي الذي هو سبب وجودها؛ إنها إرادة مطلقة (٢) . ونستطيع بسهولة البادهة أن نربط بين نظرية ميرابو التي مفادها سيادة العقل الفردي وبين نظرية روسو حول سيادة الارادة العامة؛ فكما أن الحقيقة هي بنت الوعي الفردي فإن القانون هو وليد الارادة العامة التي يكشف عنها صندوق الاقتراع والتي هي وحدها مصدر الحقيقة القانونية ومعيارها. وتتجلّى هذه الليبرالية عند سييس