للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء ذكر هذه المناظرة في قانون التأويل (٢٠) لابن العربي بشكل أتمّ، حيث قال: قال مجلّي (٢١) في أوّل مجلس: من قتل في الحرم، أو في الحل، فلجأ إلى الحرم قتل، لأن الحرم بقعة لو وقع القتل فيها لاستوفي القصاص بها، فكذلك إذا وقع القتل في غيرها، أصله الحلّ.

فقال له خصمه وهو حنفي المذهب لا يمتنع أن يقع القتل فيها ولا تعصمه، وإذا قتل في غيرها ولجأ إليها عصمته، كالصيد إذا لجأ إلى الحرم عصمه، ولو صال على أحد في الحرم لما عصمه، وذلك أن القاتل في غير الحرم إذا لجأ إليه فقد استعاذ بحرمته، وقد قال سبحانه وتعالى:} ومن دخله كان آمنا ( [آل عمران: ٩٧] ، وإذا قتل فيه فقد هتك حرمته وضيّع أمنته، فكيف يعصمه؟ فقال له مجلّي: هذا الذي ذكرت لا يصح ولا يلزمني، لأن الحرم لم يحترم بحرمة القاتل، ولا باعتقاده واحترامه، وإنما احترم بحرمة الله I.

وأما قوله سبحانه وتعالى {ومن دخله كان آمنا (فإنما عني به ما كان عليه الحرم في الجاهلية من تعظيم الكفار له، وأمن اللائذ منهم به، ودار الكلام على هذا النحو، ثم دخل علينا بمدرسة أبي عقبة الحنفي ببيت المقدس رجل ثم ذكر المناظرة كما جاءت في تفسيره أحكام القرآن.

ثم علّق على هذه المناظرة بقوله: وأعجب لبعض المغاربة (٢٢) ، ممن قرأ الأصول يحكي عن أبي حنيفة أن العام ينسخ الخاص (٢٣) إذا كان متأخراً عنه، وهذا ما قال به قطّ ولولا أن أبا حنيفة ناقض (٢٤) ، فقال: لا يبايع في الحرم ولا يكلّم ولا يجالس ولا يعان بمأكل ولا بمشرب ولا بملبس حتى يخرج منه، فتؤخذ العقوبة منه، ما قام له في هذه المسألة أحد.

ثانياً: حكم الوقوف والأحباس

في قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ( [المائدة: ١٠٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>