والبحيرة: هي الناقة يشقون أذنها لتكون معلومة للناس أنها على هذه الصفة، فكانت تخلّى دون راع فلا تطرد من مرعى ولا يركبها أحد ولا تذبح ولا تباع، وقيل: إن البحيرة هي ابنة السائبة، وقيل غير ذلك. أما السائبة فتطلق على البعير أو الناقة التي تسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه الله من مرض، أو بلّغه منزلاً في سفر فتصبح مخلاة لا قيد عليها ولها نفس أحكام البحيرة.
والوصيلة: كانت في الغنم إذا ولدت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر، قالوا: وصلت، فكان ما ولد منها بعد ذلك للذكور دون الإناث إلا إذا كان ميتة فهم فيه شركاء.
والحام: هو الفحل من الإبل إذا انقضى ضرابه، أو إذا ركب ولد ولده، وسمّي بهذا الاسم لأنه حمى ظهره من الركوب والذبح (هذه بعض الوجوه في تفسيرها، وهناك وجوه أخرى لم نر الإطالة بذكرها)(٢٥) .
هذا وقد ذهب الحنفية استدلالاً بالآية إلى عدم جواز الوقف إلى غير جهة معينة تقوم عليه وترعاه.
فلو سيّب حيواناً أو عقاراً فجعله سبيلا، فإن هذا يدخل فيما عابه الله على العرب، فيما كانوا يفعلونه في الجاهلية من تسييب البهائم وحبس البهائم والزروع، وذهب جمهور العلماء إلى جواز الأوقاف وقاسوا تسييب البهائم على عتق العبيد، ولكن الحنفية لم يسلّموا بهذا القياس، وقالوا لا معنى لأن يملك الحيوان الأعجم نفسه، لأن إهمالها يترتب عليه عدم جواز منفعتها، وهي لا تستطيع تدبير شؤون نفسها.
وأجاب الجمهور عن ذلك بأن وقف المنافع المترتبة على هذه الحيوانات قربة من القربات.
ومن صور السائبة إرسال الطيور ووضع البيض قرب طرقات المسافرين، وترك البساتين لينتفع بها الناس كافّة، ولكل من الفريقين أدلته في المسألة، وقد وقعت مناظرة بين الإمام مالك من جهة وبين القاضي أبي يوسف أكبر تلاميذ الإمام أبي حنيفة بحضرة هارون الرشيد (٢٦) .
ويقال إن القاضي أبا يوسف قد رجع عن موافقة صاحبه بعد وقوع هذه المناظرة.