للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ريب أن قصة سليمان عليه السلام مع هذه الكائنات تنويه صريح بعلمه وقد تضمنت أنموذجاً فريداً للعالم الشاكر المتواضع في شخصية سليمان عليه السلام: أما شكره فقد تمثل في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} (١) ، وقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} (٢) ، وقوله بعد أن سمع كلام النملة: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} (٣) ، فهذه الجمل متضمنة شكر الله على ما وهبه من العلم، ومعنى {أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} : وفقني لملازمة شكر نعمتك (٤) .

وقد وقع منه مثل ذلك لما رأى عرش ملكة بلقيس مستقراً عنده، ((جعل يشكر نعمة ربه بعبارة فيها تعليم للناس، وهي عرضة للاقتداء بها والاقتباس منها)) (٥) ، {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (٦) ، ((يقول: ليختبرني ويمتحنني أأشكر ذلك من فعله عليّ، أم أكفر نعمته عليّ بترك الشكر له)) (٧) .

وأما تواضعه فقد جاء في مطلع القصة في قوله وقول أبيه عليهما السلام: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (٨) فقد أشار قولهما إلى اعتقادهما أن في عباد الله من يفضلهم في العلم (٩) .


(١) النمل، الآية ١٦.
(٢) النمل، الآية ١٦.
(٣) النمل، الآية ١٩.
(٤) انظر الزمخشري: الكشاف ٣/١٤٠، ١٤٢، محمد الطاهر: التحرير والتنوير ٢٢/٢٣٦،٢٤٤.
(٥) ابن عطية: المحرر الوجيز ١١/٢١٠.
(٦) النمل، الآية ٤٠.
(٧) الطبري: جامع بيان ٢٢/١٦٥.
(٨) النمل، الآية ١٥.
(٩) انظر الزمخشري: الكشاف ٣/١٤٠، الآلوسي: روح المعاني ١٩/١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>