للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلاّق (١) . وإذا كان ديكارت قد هدم هدماً جذرياً وصريحاً ثنائية العقل والحقيقة وافتتح الطريق المباشر إلى الديمقراطية الحديثة وإلى الثورة الفرنسية، كما رأينا، فإن هيجل قد أماط اللثام عن المغزى النهائي لهذه الأحادية التي أقامها ديكارت: فالله والإنسان هما عند هيجل حقيقة واحدة تكمن في الغريزة الحسيّة وتتجسّد في الدولة التي هي المطلق. فلسفة الثورة التي عبّر عنها الإعلان كانت إذن فلسفة الحادية وإن كان لم تصرّح بالالحاد. وترينا المعطيات السابقة المتعلقة بالهوية الأوروبية للثورة أن إلحادها كان ذا جذور تاريخية عميقة. والنظام الجديد الذي كان الالحاد هو النسغ الذي يمشي في مفاصله الكبرى (الفرد، الارادة العامة، القانون) لم يكن فيه مكان لصوت يتكلم عن خلود الروح ووجود الله ويدعو إلى الفضيلة. لم يكن فيها مكان لرجل مثل روبسييير Maximilien Rebspierre (١٧٥٨ - ١٧٩٤) الذي كان يرى أن الدين (لبنة هامة في بنيان المواطنة) (٢) . كان روبسييير من أعضاء الجمعية التأسيسية و (لم يكن هناك من يجادل في زعامته للثوار) بعد موت ميرابوا وكانت الجماهير مفتونة به، وعند حلّ الجمعية التأسيسية كانت شعبيته قد بلغت مداها و (سمّاه الناس رجل الساعة) وفي لحظة من تاريخ الثورة (أصبح مطلق اليد في فرنسا) (٣) . قال في تقريره المؤرخ في ٥ فبراير / شباط ١٧٩٤: (ما هو هدفنا؟ أن ننعم في هدوء بالحرية والمساواة وبعهد العدالة الأبدية المنقوشة قوانينه، لا على الرخام أو الحجر، بل في قلب كل رجل، حتى العبد الذي ينسى أن له حقوقاً والطاغية الذي ينكر هذه الحقوق) . وقال أيضاً في نفس التقرير:

<<  <  ج: ص:  >  >>