للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحدة التكوينية للمجتمع السياسي الجديد، أي الفرد، لها إذن صفتان: فهي تتصف في ظاهرها بالقوة من حيث أن ماهيتها إرادة مطلقة تقرر الحقيقة وتقرر شكل السلوك كما تشاء؛ وهي تتصف في حقيقتها العميقة بالضعف من حيث أنها تحيا تحت استبداد الغريزة الحسية أي تحيا في استسلام للواقع المادي ولاسيما للدولة التي هي أقوى صور هذا الواقع وأشدّها تأثيراً على الفرد من حيث امتلاك الدولة لأدوات السيطرة التي لا تتوفر لسواها. إن الحرية الفردية المطلقة في إعلان ١٧٨٩ هي في التحليل الأخير عبودية الفرد للدولة أو بالأحرى للسلطة السياسية. وينبغي أن نضيف أن هذه العبودية ليست عبودية قسرية، بل هي عبودية طوعية واستسلام رضائي تلقائي يصل في تطوره إلى أن يكون قاعدة تفكير الفرد وتصرّفه داخل الدولة. وبتعبير أدق فإن الإعلان الذي يقيم نظرياً ثلاث صور من السيادة، سيادة الإرادة الفردية وسيادة الإرادة العامة وسيادة الدولة، يقود عملياً إلى تكريس سيادة واحدة هي سيادة الدولة أو سلطتها العليا المطلقة بينما تتحول الأخريان إلى عبودية طوعية للدولة؛ إنه يقيم دكتاتورية الدولة أو طغيان السلطة على أساس من ارتضاء الجميع بمقتضى حريتهم المطلقة أن يكونوا عبيداً للسلطة. وهكذا يبدو حق مقاومة الطغيان الذي قررته المادة الثانية من الإعلان حقاً نظرياً لا بسبب العجز عن مقاومة الطغيان بل بسبب أخطر وأعمق هو الفقدان الفعلي والتدريجي لإرادة مقاومة الطغيان والتحوّل إلى الوداعة السلبية اللامسؤولة والمتعامية عن خطايا السلطة ثم التحوّل أخيراً إلى موقف تبريري يسبغ الشرعية على كل وضع فعلي تصنعه السلطة. إن الإرادة العامة التي أسند إليها جان جاك روسو إيجاد القانون وأجاز لها نقض أي قانون أساسي ثم أجاز لها سييس من بعده نقض كافة الأشكال الدستورية يؤول أمرها من الناحية العملية إلى الرضا بكل انتهاك تقترفه السلطة للدستور أو القانون. إن الإرادة

<<  <  ج: ص:  >  >>