العامة تنتقل هكذا من السيادة (العزيزة) التي تفرض ما تشاء إلى السيادة (الذليلة) التي ترضى كل ما يفرض عليها.
هذا المآل الحتمي الذي تؤول إليه عملياً الوحدة التكوينية للمجتمع السياسي،
الفرد، أي الفقدان الفعلي للذاتية المستقلة والذوبان الفعلي في السلطة، يترافق
ويتكامل مع الوضع الذي تؤول إليه السلطة ذاتها في صيرورة حتمية تنطلق من ذات المنطلق أي من الطبيعة المطلقة للحرية الفردية. فكما أن جوهر الحرية الفردية هو الإرادة لا القانون كما رأينا من قبل (المبحث الثاني - المطلب الأول: “ ماهية الحرية الفردية في إعلان ١٧٨٩ ”؛ ما قلناه عنها في ضوء نظرية القانون الطبيعي) وكما أن القانون يستمد بالتالي أصل وجوده من الإرادة العامة المطلقة فإن السلطة التي تنبثق من هذه الأخيرة هي جوهرياً إرادة لا قانون، أي أن شرعيتها الدستورية التي تستند إليها وصبغتها القانونية التي تصبغ تصرفاتها تخفيان طبيعة مطلقة تجعل استقامتها على طريق الدستور والقانون متوقفة على إرادتها الحرة وتجعل انحرافها قابلية جوهرية تكمن في طبيعتها لا إمكانية عرضية تعتور عملها.
وهكذا، من جهة وأخرى، أي مع استسلام الفرد ومع طغيان السلطة، وكلاهما جوهري أصيل، تصبح الحقوق والحريات حصوناً بلا أبواب تمنع اقتحامها. فالفرد يؤول أمره إلى أن يفقد حريته الداخلية كلما أوغل في التمتع بحريته المطلقة حتى يصبح هو والسلطة شيئاً واحداً ويفقد حيالها كل استقلال حقيقي يكفل تحرّكه للدفاع عن الحقوق والحريات وعن القانون الذي يكفلها، وربما التمس من القانون نفسه تبريرات لتصرفات السلطة اللاقانونية. والسلطة الديمقراطية يؤول أمرها إلى أن تفقد كل خضوع حقيقي للقانون وتصبح قوة بحتة تختفي وراء ثوب القانون، قوة قانونية المظهر سياسية الجوهر تضرب في كل اتجاه وتذهب آناً مع الحقوق والحريات وآناً ضدها وتتخذ من القانون نفسه ذرائع لتصرفاتها اللاقانونية.