للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد اعتبر إعلان حقوق الإنسان والمواطن وثيقة ميلاد المواطن الحديث. لكن أليس هو، بفتحه الباب عملياً لطغيان السلطة من ناحية ولانحلال الإرادة العامة من ناحية

أخرى، وثيقة إعدام الحريات تحت شعار تمجيدها؟!

والمسار الفعلي الذي اتخذته الثورة الفرنسية يقدِّم الجواب على هذا التساؤل، فقد انتهى إلى خروجها على منطق إعلان الحقوق نفسه. بل إن المرحلة الأولى من تاريخها قد انطوت على ما ينذر بهذا المصير. فقد رأينا من قبل (المبحث الأول - المطلب الأول: صلة الثورة بالمذهب الفردي) أن حزب اليسار في الجمعية الوطنية، الجيروند les Jirondins، ذهب إلى إمكانية التضحية بالدستور لمصلحة الثورة، رغم أنه صادر باسم الأمة. ولاشك في أن هذا الموقف يفتح الباب لانحراف السلطة إذا لم تكن الإرادة العامة على درجة من اليقظة تكفي لصيانة خياراتها الدستورية. وقد سارت الثورة بعد ذلك بتأثير هذه الليبرالية المتطرفة في طريق الانفصال عن إرادة الأمة: تمثل هذا الانفصال في حلّ الجمعية الوطنية التي على يدها قامت الثورة والتي بفضلها اندمجت طبقات المجتمع الفرنسي الثلاثة الممثلة في مجلس الطبقات في كيان واحد هو الأمة الفرنسية التي كانت الجمعية الوطنية مرآاتها الصادقة؛ وتمثل هذا الانفصال أيضاً في إقامة الكوميون الثوري La Commune الذي حكم الحياة السياسية نحو عامين هما عهد الإرهاب والمذابح والاعدامات بالجملة؛ وزاد دخول الشارع الفرنسي طرفاً في الأحداث من إشاعة الفوضى وتضييع صوت الإرادة العامة؛ ويكفي للتدليل على تنكّر الثورة لأصلها الذي قامت عليه أن المؤتمر الوطني الذي حاكم الملك قد رفض مبدأ الرجوع إلى الأمة إدانة الملك بعد أن طالب الجيروند Les Jirondins، وهم من أعضاء الجمعية الوطنية، بعرض الأمر على الاستفتاء العام على أساس أن ذات الملك مصونة بموجب دستور ١٧٩١ وأن الشعب وحده يملك تجريد الملك من حصانته الدستورية (١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>