عن القاعدة التي انطلقت منها أي إرادة الأمة وراحت تتصرف حسب رؤى المسيطرين عليها ونوازعهم فإنها على الصعيد الخارجي نكصت عن رسالتها التحريرية. ففي ١٩ نوفيمبر / تشرين الثاني ١٧٩٢ أصدرت الثورة مرسومها العالمي الذي تمدّ فيه يد الإخاء والمساعدة إلى كافة الشعوب التي تريد استرداد حريتها (١) ؛ ولكنها بعد برهة قصيرة وقبل انتهاء العام نفسه نقضت عهدها إذ رجعت إلى السياسة الاستعمارية القديمة (٢) . لقد داس نابليون بونابرت، وهو من جيل الثورة، على إعلان الحقوق والحريات الصادر في ١٧٨٩ وعلى منشور المؤتمر الوطني الصادر في ١٧٩٢ والذي يعلن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وسطورهما لم تزل نديّة، عندما احتل مصر في العام ١٧٩٨ ودنَّس بسنابك خيله الأزهر الشريف وقتل علماء مصر (٣) . فأين كانت الأمة الفرنسية التي وقفت وراء الجمعية الوطنية ووراء الإعلان الذي صادقت عليه في ٢٦ آب ١٧٨٩ وقفة أجبرت الملك نفسه على التراجع خوفاً من سوء العواقب التي تترتب على رفضه المصادقة على الإعلان؟! وما الذي يفسِّر تصويت البرلمان الفرنسي في ١٨٣٠ بالموافقة على احتلال الجزائر؟! أليس مجرى الأحداث قد انتهى إلى انحلال الإرادة العامة حيال سلطة فارقت قاعدتها الديمقراطية وتحوّلت إلى سلطة دكتاتورية في الداخل واستعمارية على الصعيد الدولي؟!
المطلب الثالث: موقع القانون وقيمة الضمانات القانونية للحقوق والحريات.