والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله على حين فترة من الرسل، ودروس من الكتب، حين حرف الكلم وبدلت الشرائع، واستند كل قوم إلى ظلم آرائهم، وحكموا على الله وبين عباده بمقالاتهم الفاسدة وأهوائهم، فهدى الله به الخلائق، وأوضح به الطرائق، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأصلي وأسلم على آله الأطهار، وصحبه الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمابعد:
فإن الله عزوجل أخبر في الوحي المنزل على الأنبياء والرسل، أن الروح من الحقائق الإيمانية الثابتة، التي يجب على كافة أتباع الرسل اعتقاد وجودها والإيمان بها، إذ جاء ذكرها في الوحي بعضها مضافاً إلى الله، وإلى القدس، وبعضها بدون إضافة، وتدل على معانٍ مختلفة، حسب مناسبة ووردها.
ولقد ضل أهل الكتاب من قبلنا فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض:
((ويقولون نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً)) (النساء ١٥٠) ، ومن ذلك الإيمان الذي أرادوا أن يتخذوه سبيلاً، أنهم ضلوا عن الحق في الإيمان بحقيقة الروح، فاليهود يعرفون حقيقة الروح، ويعترفون أن الروح القدس هو جبريل عليه السلام لكنهم زعموا أنه عدوهم من الملائكة، وأما النصارى فإنهم يعرفون بعض حقيقة الروح، لكنهم زعموا أن الروح القدس غير جبريل عليه السلام ويعتقدون أنه إله مع الله والأقنوم الثالث في ثالوثهم المقدس.
أما نحن المسلمين فقد هدانا الله إلى معرفة حقيقة الروح، فقد أخبر الله أنها تدل على معانٍ عدة حسب مناسبة ذكرها في القرآن، كما أخبر الله أنها تدل في الكتب الإلهية السابقة على نفس المعاني التي أنزلها الله في القرآن، لكن أصحاب تلك الكتب من أهل الكتاب ضلوا عن الحق الذي أخبر الله تعالى عنه في كتبهم، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.