كما أن (يوحنا) يحيى عليه السلام عرف العلامة على المسيح من نزول الروح القدس عليه مثل حمامة، إذ قال:((إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه، وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس)) (٤٧) ، وهذا يدل على أنه أمين الوحي جبريل عليه السلام بدليل قوله:((فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السموات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السموات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت)) (٤٨) ، وهذا الصوت من السموات هو الوحي الذي جاء به جبريل، وهو قوله:((هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت)) ، والبنوة في هذا النص وفي غيره من النصوص الإنجيلية لا يقصد بها البنوة التناسلية، وإنما يقصد بها حنان الله ورعايته له وقربه من الله، بدليل أن الأناجيل تطلق على تلاميذ المسيح وكل الناس المؤمنين بالله بأنهم أبناء الله (٤٩) .
ونزول الروح القدس على المسيح -عليه السلام- على هيئة حمامة، أو نزول غيره من الملائكة على أي هيئة كانت، معلومة عند الأنبياء وأتباعهم، فقد ذكر الله تعالى نزول الملائكة على إبراهيم عليه السلام على هيئة رجال، قال تعالى:((هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين، فقربه إليهم قال ألا تأكلون، فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم، فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم، قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم، قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين)) (٥٠) .