الرابع:- الآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن. فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا، واتبع آحادهم فيما وجد عنهم - مما لم يخالفه فيه غيره منهم - فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين.
أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال اتبع السابقين؛ لوجود مخالفته لبعضهم لا سيما إذا خالف هذا مرةً وهذا مرةً.
وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم إذا اختلفوا فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك الأقوال باجتهاد واستدلال إذ هم مجتمعون على تسوية كل واحد من تلك الأقوال لمن أدى اجتهاده إليه فقد قصد اتباعهم أيضاً.
أما إذا قال الرجل قولاً ولم يخالفه غيره فلا يعلم أن السابقين سوغوا خلاف ذلك القول.
الخامس:- إن الآية تقتضي-أيضاً - اتباعهم مطلقاً.
فلو فرضنا أن الطالب وقف على نص يخالف قول الواحد منهم فقد علمنا أنه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه.
أما إذا رأينا رأياً فقد يجوز أن يخالف ذلك الرأي.
السادس:- لو لم يكن اتباعهم إلا فيما أجمعوا عليه كلهم لم يحصل اتباعهم إلا فيما قد علم أنه من دين الإسلام بالاضطرار؛ لأن السابقين الأولين خلق عظيم ولم يعلم أنهم أجمعوا إلا على ذلك؛ فيكون هذا الوجه هو الذي قبله وقد تقدم بطلانه. إذ الاتباع في ذلك غير مؤثر.
-وأيضاً - فجميع السابقين قد مات منهم أناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وحينئذٍ فلا يحتاج في ذلك الوقت إلى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم لو فرضنا أحداً يتبعهم إذ ذاك لكان من السابقين؛ فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين.
-وأيضاً - فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر فكيف يتبعون كلهم في شئ لا يكاد يعلم.
السابع:- إن الصحابة - رضي الله عنهم - ما استحقوا منصب الإمامة والاقتداء بهم إلا لكونهم هم السابقين، وهذه صفةٌ موجودة في كل واحدٍ منهم فوجب أن يكون كل منهم إماماً للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة.