للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتراض الخامس:-إن الثناء على من اتبعهم لا يقتضي وجوبه وإنما يدل على جواز تقليدهم وذلك دليل على جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة من العلماء أو تقليد الأعلم كقول طائفة أخرى. أما أنه دليل على وجوب اتباعهم فليس في الآية ما يقتضيه.

والجواب عن هذا الاعتراض من وجوه:-

الأول:- إن الآية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان. وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام؛ فلا يكون اتباعهم قولاً بغير علم بل قولاً بعلم، وهذا هو المقصود وحينئذٍ فسواء يسمى تقليداً أو اجتهاداً.

الثاني:- إن كان تقليد العالم للعالم حراماً - كما هو قول الشافعية والحنابلة – فاتباعهم ليس بتقليد؛ لأنه مرضي. وإن كان تقليدهم جائزاً أو كان تقليدهم مستثنى من التقليد المحرم فلم يقل أحد إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان. فعلم أن تقليدهم خارجٌ عن هذا؛ لأن تقليد العالم إن كان جائزاً فتركه إلى قول غيره أو إلى اجتهاد جائز – أيضاً - بالاتفاق. والشيء المباح لا يستحق به الرضوان.

الثالث:- إن رضوان الله هو غاية المطالب التي لا تنال إلا بأفضل الأعمال. ومعلوم أن التقليد الذي يجوز خلافه ليس بأفضل الأعمال. بل الاجتهاد أفضل منه. فعلم أن اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم، وأن اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان الله. فلا ريب أن رجحان أحد القولين يوجب اتباعه.وقولهم أرجح بلا شك. ومسائل الاجتهاد لا يتخير الرجل فيها بين القولين.

الرابع:- إن الله سبحانه وتعالى قد أثنى على الذين اتبعوهم بإحسان. والتقليد وظيفة العامة. فأما العلماء فإما أن يكون مباحاً لهم أو محرماً. إذ الاجتهاد أفضل منه لهم بغير خلاف. وهو واجب عليهم. فلو أريد باتباعهم التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة ذلك النصيب الأوفى وكان حظ علماء الأمة من هذه الآية أبخس الحظوظ. ومعلوم أن هذا فاسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>