أن الخطبة بالعربية ليست مقصودة لذاتها حتى يمكن أن يقال بعدم صحتها بغيرها حتى ولو لم يفهمها الناس المستمعون بل هي مقصودة لما فيها من تعليم وتوجيه وإرشاد للمستمعين لها وهذا لا يحصل لمن لم يفهمها ويعرفها لكونها ألقيت بغير لغته التي يفهمها.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
عن مالك بن الحويرث قال: أتينا إلى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، وكان رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أوقد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم " ( [٦٨] ) .
وجه الدلالة: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -أمر في هذا الحديث بأن يصلي المسلم كما رأي النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -يصلي ويقتدي به في أحواله كلها وخاصة الصلاة، وخطبة الجمعة جزء من الصلاة التي ينبغي أن يقتدي المسلم فيها بالنبي- صلى الله عليه وسلم -، وبما أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -كان يخطب الجمعة بالعربية فإنه ينبغي ألا تخطب الجمعة إلاَّ بالعربية ولا تصح بغيرها، اقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم -.
يناقش: أن النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم -إنما كان يخطب بالعربية لأنه عربي ويخطب بقوم عرب فلا حاجة للخطبة بغيرها، وهذا ما نقول به عند عدم الحاجة للخطبة بغيرها، وأما حينما يكون هناك حاجة للخطبة بغيرها كأن يكون الذين تلقى عليهم الخطبة غير عرب ولا يفهمون العربية فإنه يصح أن يخطب بهم بلغتهم من أجل تحصيل المقصود من الخطبة وهو الوعظ والإرشاد والنصح، مما لا يتحصل لوقلنا بوجوب الخطبة بالعربية لهم.