مما لاشك فيه أن الصلات بين أفريقية عامة والسودان خاصة وشبه الجزيرة العربية، عميقة الجذور، موغلة في القدم، فقد كانت شبه جزيرة العرب – علي مر العصور – مستودعاً بشرياً عظيماً، ومنبعاً لموجات بشرية تتدافع في تيارات متتالية علي مدي العصور والأجيال نحو الأقطار المجاورة، وكانت أهم هذه الموجات وأسبقها في الزمان بحكم الجوار وسهولة الانتقال تلك الموجات المتجهة نحو شرق القارة الأفريقية عن طريق باب المندب ثم عبر طرق البحر الأحمر كلها ( [١] ) .
ومما يزيد من عمق هذه الصلات أن هناك بعض النظريات التي تتحدث عن غياب البحر الأحمر (كحاجز مائي) كله بين آسيا وأفريقيا وتقول بوحدة " أصل البجة "( [٢] ) وقدماء المصريين النابع من الجزيرة العربية ( [٣] ) .
بالإضافة إلي أن البحر الأحمر لم يكن حاجزاً صعباً يمنع الاتصال بين شواطئه الأسيوية العربية، وشواطئه الأفريقية، فلم يكن من الصعب اجتيازه بالسفن الصغيرة، ومن المؤكد أن بلاد البجة في شرق السودان هاجر إليها الحضارمة قبل الإسلام ( [٤] ) .
وكان بفضل هذه الصلات والتي تمثلت في انتقال العرب من شبه الجزيرة العربية إلي مناطق كثيرة في أفريقيا ولعل أهمها منطقة وادي النيل، أن تزايدت المؤثرات العربية وأصبحت تلك المناطق الأفريقية شبه عربية، وقطعت في عروبتها شوطاً طويلاً عبر آلاف السنين وذلك عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي ( [٥] ) .
وقد دفعت هذه الصلات والهجرات العربية ببعض الباحثين ( [٦] ) في تاريخ السودان إلي الترجيح بأن سودان وادي النيل قد عرف الثقافة العربية الجاهلية بكل مقوماتها العقائدية والفكرية قبل أن يعرف الثقافة الإسلامية التي صاحبت الدعوة الإسلامية، وأن تأثيرات الدماء العربية والثقافة أيضاً لم يكن مقصوراً علي الجهات التي تقابل الجزيرة العربية في السودان الشرقي بل تجاوزتها إلي السودان الأوسط، والسودان الغربي أيضاً.