وقد سيطرت قبيلتا الجوابرة والغربية علي المنطقة بين أسوان، ووادي، ونشروا سلطانهم علي كثير من القبائل الصغيرة ( [٣٥] ) ، ثم حدث نزاع بينهما فاستنجدت قبيلة الغربية بالسلطان سليم الأول الذي أرسل سرية " من البوشناق ( [٣٦] ) بقيادة حسن قوصي طردت الجوابرة إلي دنقلة، وأمتد بهذا النفوذ العثماني، وأسس البوشناق قلاعاً وأقاموا الحاميات وحملوا لقب " كشاف " وعرفوا بالغز، ومنحهم السلطان العثماني امتيازات ورثها أبناؤهم وأحفادهم ومنها: إعفائهم من شتي الالتزامات المالية التي فرضها السلطان سليم الأول علي أملاكه كلها، بل أجري عليهم معاشاً سنوياً. ورغم ذلك كان حسن قوصي يرسل ما يسمي بالميري سنوياً إلي والي مصر وان كان – في الواقع مستقلاً عنه.
وفي عهد الخليفة المعتصم العباسي أصبح يحكم مصر ولاه من الترك المنافسين للعرب، مما أقصي العرب عن مكانتهم المرموقة، وآثار في نفوسهم الامتعاض والتذمر، وأخذوا في الهجرة جنوباً إلي السودان، وزاد هذا التدفق في عهد المماليك في مصر، الذي شب صراع بينهم وبين العرب ونظروا إليهم كمتمردين وخارجين عن القانون مما دفع الكثير من القبائل العربية للهجرة إلي السودان واختلطوا بالسكان المحليين وانتشر دينهم ولغتهم ( [٣٧] ) .
وكانت النتيجة الحتمية لكل هذا التدفق العربي الإسلامي إلي السودان والاستقرار فيه، ليس فقط تغير طبيعة الحياة الاجتماعية هناك، بل تخطاها إلي تغير الأوضاع السياسية أيضاً، فأمام تكاثر الهجرات العربية للنوبة " وحالة الفوضى التي أصبحت عليها المنطقة نتيجة غزوات سلاطين المماليك أيضاً، فقد استطاع هؤلاء العرب المسلمون بمساعدة من أسلم من النوبيين في القضاء سليماً علي الدولة المسيحية في دنقلة في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي وأصبح الحكم في شمال السودان إسلامياً ( [٣٨] ) .