((والشعر ديوان العرب وبه حفظت الأنساب وعرفت المآثر ومنه تعلمت اللغة وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله وغريب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث صحابته رضي الله عنهم)) (١٢٢) .
وعلى ضوء ذلك قٌسّم الشعراء إلى أربع طبقات: الجاهليون، وهم الذين عاشوا قبل الإسلام، ثمّ المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ثمّ الإسلاميون، وهم الذين كانوا في العصر الأموي كجرير والفرزدق، وقد عدّهم بعض اللغويين - كأبي عمرو- من المولدين وكان يقول: لقد حسن هذا المولد حتى لقد هممت أن آمر صبياننا برواية شعره، يعني بذلك جريراً. (١٢٣) ويقول الأصمعيّ: جلست إليه (يعني أبا عمرو) ثماني حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي (١٢٤) ، وأخيراً المولدون، ويقال لهم المحدثون أيضاً، ويعدّ بشار بن برد (ت١٦٧هـ) أول شعراء طبقة المحدثين، وقيل ختم الشعر بإبراهيم بن هَرْمَة (ت١٧٦هـ) . (١٢٥) ، وعن الاحتجاح بشعر هذه الطبقات؛ يقول السيوطيّ:((أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدثين في اللغة والعربيّة، وفي (الكشاف) ما يقتضي تخصيص ذلك بغير أئمة اللغة
ورواتها...)) (١٢٦) .
وبالتأمل في معاجم الألفاظ نلحظ صحة ما ذكره السيوطيّ، فقد استشهد أصحاب هذه المعاجم بشعراء الطبقات الثلاث الأول، فهذا صاحب (العين) يستشهد بشعر جرير -الذي عدّه أبو عمرو مولداً - إذ يقول في مادة (عق) وقال جرير:
كما نجد الازهريّ - في المادة نفسها - يحتج بالأخطل (ت٩٠هـ) والفرزدق (ت١١٠هـ) وهما من طبقة جرير (ت١١٠هـ) . (١٢٨)
أما طبقة المولدين المحدثين فكان الاستشهاد بشعر بعضهم على استحياء، ولعل ذلك للاستئناس بعربيتهم كبشار بن برد (ت١٦٧هـ) ، الذي قال عنه الأصمعيّ:((بشار خاتمة الشعراء، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم)) (١٢٩) .