لقد اعتمد النحاةُ في تقعيد النحو وتأصيله على الشعر، وجعلوه الركيزةَ الأساسيةَ لصياغة القواعد النحوية التي يقاس عليها في الاستشهاد لقضاياه الكلية والجزئية، وأغفلوا أهمّ مصدر من مصادر اللغة وهو القرآن الكريم الذي يعدّ الركنَ الركينَ والحصنَ الحصينَ للغة العربية، فلم يحتجّ النحاةُ بالقرآن الكريم في كثير من القضايا النحوية، مع أنه النص الوحيد الموثوق بصحته وأما غيره من النصوص العربية وفي ذروتها الشعر فقد تطرّقَ إليها التصحيفُ ودخلها كثيرٌ من التغيير، ورأيتُ أن مؤلفاتِ النحو قديمها وحديثها يدورُ بعضها في فلك بعض، فاللاحق يرثُ ما في السابق من مسائل نحوية بشواهدها، ولو أنهم اعتمدوا على القرآن الكريم بالدرجة الأولى لما أدّى إلى اختلاف في هذه المسألة.
أرى أن العلماءَ وضعوا (التنازعيةَ) أساسًا لهذه القضية، من هذا المنطلق اختلفوا في أصوله وأحكامه الفرعية؛ ففي جملة التَنَازُع يُوْجَدُ عاملان يحاولُ كلٌّ منهما الاستئثار بمعمول؛ فالأول يطلبُهُ باعتبار أنه أحقُّ من العامل الثاني؛ لأنه جاء أولاً. والعامل الثاني يطلبه باعتباره مجاورًا له وملاصقًا. وعندئذٍ ينشب التنازعُ بين العاملَيْنِ لمحاولة استئثار كل منهما بذلك المعمول؛ فهذا القول أدّى إلى مشكلاتٍ واضطراباتٍ في أحكامه المختلفة، ولهذا وغيره من الأسباب نادى العلماءُ بإلغاء هذا الباب من النحو العربي، ومنهم د. شوقي ضيف وعباس حسن ود. محمد صلاح الدين مصطفى بكر، وسيأتي بيانهم إن شاء الله تعالى.