" إن يكنِ الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه"، فبلغ ذلك عمرَ فدعاه فقال عمرُ: ليس هكذا يا أعرابي" فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين"؟ فقال:" ... أن اللَّهَ برىءٌ من المشركين ورسُوْلُهُ" فقال الأعرابي: وأنا أبرأ ممن بَرِئَ الله ورسولُهُ منهم"، فأمر عمرُ ألاّ يُقْرِئَ القرآنَ إلا عالمٌ باللغة"( [٣] ) . ويُنْسَبُ إلى عمر أيضا أنه قال:(تَعَلَّمُوْا العَرَبِيَّةَ فإنها تُثْبِتُ العقلَ وتزيد في المروءة)( [٤] ) ، كما تناول اللاحقون القرآن بالدرس وقراءاته بالتفسير والإعراب، وأفاد منها كلُّ مظهر من مظاهر النشاط الفكريّ والعلميّ.
إن علمَ النحو أثرٌ من آثار العقل العربي، فرغ له العباقرة من أسلافنا، فجمعوا أصوله وثبّتوا قواعده، ورفعوا بنيانَه شامخًا ركينا، ومنزلته من العلوم الإنسانية منزلةُ الدستور من القوانين الحديثة، هو أصلها الذي تستمدّ عونه، وهذه العلوم النقلية لا سبيلَ إلى استخلاص حقائقها والنفاذ إلى أسرارها بغير النحو، فهل نُدْرِكُ كلامَ الله تعالى ونفهم دقائق التفسير وغير ذلك من هذه العلوم إلا بإلهام النحو وإرشاده؟.