إن أبا عمر الجرمي كان يأبى التعقيد في النحو وكثرة التقديرات، ومما يؤكد ذلك عنده أنه كان يمنع التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعوليَن أو ثلاثة، ذاهبًا إلى أنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصور معقدة لم يرد لها مثيل عن العرب، فإن في ذلك تكلفًا وإيغالاً في تمرينات لا تفيد في تعلم العربية، وإن كان النحاة لم يستمعوا إلى رأيه فقد مضوا يطبقون الباب في (ظن) وأخواتها و (أعلم) وأخواتها، مما كان سببًا في أن يحملَ عليهم ابن مضاء، في كتابه الرد على النحاة، حملة شعواء. ( [١١٣] )
٢ رأي ابن مضاء القرطبي (ت٥٩٢ هـ) :
يدرس ابن مضاء باب التنازع في النحو درسًا مفصلاً، وهو درس أراد به أن يصور ما تجره نظرية العامل من رفض بعض أساليب العرب، وأن يضع النحاة مكانها أساليب لا تعرفها العربية، فإنهم يرفضون في باب التنازع صورًا من التعبير دارت على ألسنة العرب، وذلك أنهم قد يعبرون بعاملَين، ثم يأتون بعدهما بمعمول واحد على نحو ما نرى في مثل (قام وقعد إخوتك) وقول علقمة:
رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وكَلِيْبُ
تَعَفّقَ باِلأَرْطَى لَهَا وأَرَادَهَا
وقد رفض النحاة هذه الصورة من التعبير؛ لأنه لا يصح أن يجتمع عاملان على معمول واحد، أو كما يقولون لا يصح أن يجتمع مؤثران على أثر واحد، وإذن فإما أن نعمل الأول ونضمر في الثاني، أو نعمل الثاني ونضمر في الأول. اختار الكوفيون إعمال الأول لسبقه، واختار البصريون إعمال الثاني لقربه، فيطلبون إلى صاحب المثال الأول أن يقول (قام وقعدوا إخوتك) أو يقول: (قاموا وقعد إخوتك) ويطلبون إلى علقمة أن يقول (تعفقوا.... وأرادها رجال.... وكليب) وهي جمع كلب أو يقول (تعفق ... وأرادها رجال ... وكليب) .