إن اختيار البصريين إعمال الثاني دون الأول، لسببين هما: كثرة الضمائر إذا أعملنا الأول، ثم تأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، أي الفصل بين العامل وهو الفعل الأول ومعمولاته بالفعل الثاني. وقد لاحظ ابن مالك في شرحه على التسهيل أن إعمال الثاني هو الذي جاء كثيرًا في كلام العرب، ( [١١٦] ) واستدلّ على ذلك بقول سيبويه في التنازع: " ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [١١٧] )
٤ رأي أبي حيان:
ويقول أبو حيان:" إن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر، بخلاف إعمال الثاني فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم. وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى:{يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلاَلَةِ ... }[النساء: ١٧٦] ، وقوله تعالى:{آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} } [الكهف: ٩٦] ، وقوله جل وعز {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ}[الحاقة:١٩] ، وقوله أيضا {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا}[الجن: ٧] ، ولو أعمل الأول لجاءت الآيات الكريمة على هذا النسق: يفتيكم فيها الكلالة، وآتوني أفرغه قطرا، وهاؤم اقرءوه كتابيه، وأنهم ظنوا كما ظننتموه"( [١١٨] ) ، بالإضمار على قاعدتهم.
ويقول أبو حيان أيضا في تفسير البحر المحيط: أعمل الثاني على الأفصح، وعلى ما جاء في القرآن، وإعمال الأول لم يرد في القرآن لقلته. ( [١١٩] )
٥ رأي الرضي:
ويقول الرضي: إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بالاستقراء. وكل ما جاء من أساليب التنازع في القرآن فإنما أعمل فيه الثاني وأهمل الأول، على ما هو المختار عند البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني ما يطلبه عند الجميع. ( [١٢٠] )