والغموض المعني هنا هو ما شدك إلى حوار معه، واستفز مشاعرك وعقلك من خلال غموض عباراته وصوره وموسيقاه، إذ يتجسد الغموض في ثراء النص الابداعي، وتعدد دلالاته وقراءاته، مما يخلق نوعاً من اللذة الحسية والذهنية تجاه خبايا النص واللامتوقع أو اللامنتظر في صوره وجمالياته الفنية. وهذه الحال تخلق نوعاً من التواصل والألفة بين النص والقارئ الذي يتلقى النص، ويشعر أنه بحاجة إليه مهما كان غامضاً ليطفئ من خلاله لهيب مشاعره، وطموحه الذهني.
ولذا، فإن الغموض له دلالتان: دلالة جمالية يكون الغموض بموجبها فنا، ودلالة لغوية يكون فيها إبهاماً وتعمية. وبهذا المفهوم يشكل الغموض ظاهرة فنية مرتبطة بالفن الإنساني، وبالفنان المبدع، مما يجعل المتلقي لهذا العمل الفني بحاجة حسية وفكرية ماسة من أجل فك رموز العمل الفني، وتفسير دلالاته، وتحديد قراءاته، لكي يقف المتلقي على طبيعة العمل الفني وجوهره، وهذه الحال تشكل قمة اللذة الحسية والذهنية عند المتلقي، كما أنها تجسد غاية المبدع وهدفه، وهذا هو سر النص الابداعي، وجوهر وجوده.
وقد نال مصطلح الغموض من القلق والاضطراب أكثر من أي مصطلح نقدي آخر لارتباطه بجوهر العمل الابداعي من حيث المبدع والنص والمتلقي. ويعود هذا القلق والاضطراب في تحديد مصطلح الغموض إلى تعدد مستوى درجاته، وإلى الاختلاف في تحديد مفهومه، ومعرفة غايته وأهميته، كما تعود اشكالية تحديد مصطلح الغموض إلى مرادفاته اللغوية الكثيرة مثل التعمية والإبهام والاستغلاق والألغاز وغيرها من التسميات التي ربما يضلل بعضها المتلقي في تقدير أهمية المصطلح ومفهومه ووظيفته (٤) .