ولذلك، فإن حديث العلماء العرب القدماء عن "الغموض حديث مفرق متناثر في دراسات المفسرين والأصوليين واللغويين والنحاة والبلاغيين. كما كانت عناية القدماء بالتطبيق في دراستهم لهذه الظاهرة، أكثر من عنايتهم بالتنظير، كما هو شأنهم دائماً، ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهرة الغموض بما لها من صلة ببنية الكلام قد لفتت أنظار القدماء منذ وقت مبكر، ولم يمنعهم إيمانهم العميق بإعجاز القرآن الكريم وقدسيته، من دراستها من خلال آياته، وقد استخدموا في الدلالة على ذلك مصطلحات كثيرة أشاروا بها إلى غموض المعنى ودرجات هذا الغموض مثل تعدد المعنى، وغير ذلك، سواء في القرآن الكريم أو الشعر، وتعددت هذه المصطلحات واختلفت اختلاف العلماء بين مفسرين ولغويين ونحاة وأصوليين وبلاغيين، وفي أحيان كثيرة كان المصطلح الواحد يتردد بأكثر من مفهوم في كل بيئة من هذه البيئات العلمية، ولكنها كانت تتفق جميعاً على خفاء المعنى أو عدم وضوحه أو تعدده، سواء في المفردات أو التراكيب"(٥) .
وكذلك فقد تعددت عند العلماء العرب القدماء الأسباب التي عزوا إليها غموض المعنى، فكانت إما تعود الأسباب إلى البنية الصوتية للكلمة والكلام، أو تعقد التركيب النحوي، أو بعد الاستعارة والتشبيه واستغلاقهما، أو مخالفة قواعد عمود الشعر العربي (٦) .
فقد استخدم سيبويه (ت ١٨٠هـ) مصطلح اللبس للدلالة على الغموض الناشئ عن وجود لفظ يحتمل أكثر من معنى أو دلالة أو تركيب يؤدي إلى الغموض. يقول سيبويه:"وينبغي لك أن تسأل عن خبر من هو معروف عنده (يقصد السامع) كما حدثته عن خبر من هو معروف عندك بالمعروف، وهو المبدوء به"(٧) . ويقصد سيبويه هنا بأن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة لكي يصح السؤال عنه، وإذا لم يكن كذلك وقع الغموض في الكلام، وترتب عليه عدم فهم السامع.