ولعل الآمدي (ت ٣٧٠هـ) من أوائل النقاد العرب القدماء الذين استخدموا مصطلح الغموض في كتابه الموازنة بين أبي تمام والبحتري، حيث وصف شعر أبي تمام بالغموض والاستغلاق في المعاني والصور مقابل وصفه لشعر البحتري الذي يتسم بوضوح المعنى وقربه. يقول الآمدي:"فإن كنت...ممن يفضل سهل الكلام وقريبه، ويؤثر صحة السبك وحسن العبارة وحلو اللفظ وكثرة الماء والرونق فالبحتري أشعر عندك ضرورة. وإن كنت تميل إلى الصنعة، والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة، ولا تلوي على غير ذلك فأبو تمام عندك أشعر لا محالة"(٨) . ويقول كذلك بهذا الخصوص ناسباً أبا تمام إلى النزعة الفلسفية والتعقيد والغموض:"وذلك كمن فضل البحتري، ونسبه إلى حلاوة اللفظ، وحسن التخلص ووضع الكلام في مواضعه، وصحة العبارة، وقرب المآتي، وانكشاف المعاني، وهم الكتاب والأعراب والشعراء المطبوعون وأهل البلاغة، ومثل من فضل أبا تمام، ونسبه إلى غموض المعاني ودقتها، وكثرة ما يورد، مما يحتاج إلى استنباط وشرح واستخراج، وهؤلاء أهل المعاني والشعراء أصحاب الصنعة ومن يميل إلى التدقيق وفلسفي الكلام"(٩) .
ويكشف هذا الفهم للآمدي عن إدراكه لأهمية الغموض ووظيفته في الشعر، وذلك على الرغم من تفضيله للبحتري مقابل رفضه لشعر أبي تمام. إذ حدد الآمدي أسباب الغموض وعناصره في شعر أبي تمام، وعبر كذلك عن دهشته. إزاء الغموض ومفاجآته في شعر أبي تمام، وبذلك يكون الآمدي أول من وضع مصطلح الغموض الشعري أمام النقاد العرب القدماء.