إضافة إلى ما جاء من عناصر الغموض عند الجرجاني، فقد تبين أن قيمة المجاز والاستعارة والتمثيل تكمن في الغموض الذي يمنح النص حياة وقوة ويجعله نصاً ابداعياً متجدداً عند متلقيه. ويكمن هذا التجدد من انزياح الكلام في النص عن ظاهر اللفظ، وهذا ما يستفز المتلقي إلى إمعان النظر في النص، وإدراك أسراره وصوره وإيحاءاته، فالانزياح في النص الابداعي هو مجال الغموض، ويتمثل هذا الغموض والانزياح في المجاز وضروبه البلاغية، يقول:"اعلم أن الكلام الفصيح ينقسم قسمين قسم تعزى المزية والحسن فيه إلى اللفظة، وقسم يعزى ذلك فيه إلى النظم. فالقسم الأول الكناية والاستعارة والتمثيل الكائن على حد الاستعارة وكل ما كان فيه على الجملة مجاز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر، فما من ضروب من هذه الضروب إلا وهو إذا وقع على الصواب وعلى ما ينبغي أوجب الفضل والمزية"(٢٨) .
كما يشكل التشبيه ضرباً من الغموض عند الجرجاني، ولا يمكن للقارئ أن يتوصل إلى خبايا الصورة التشبيهية إلا من خلال التأويل والتفكير. يقول:"ومثال الثاني وهو الشبه الذي يحصل بضرب من التأويل كقولك هذه حجة كالشمس في الظهور وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها كما شبهت فيما مضى الشيء بالشيء، من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما إلا أنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتم لك إلا بتأويل. وذلك أن تقول حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام أن لا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها، ولذلك يظهر الشيء لك ولا يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب أو لم يكن بينك وبينه ذلك الحجاب"(٢٩) .