لقد ابتعد السجلماسي تماماً عن استخدام كلمة الغموض بصفة مباشرة بوصفها الجوهر الأساسي لبنية النص الابداعي، واكتفى باستخدام مرادفات الغموض المتمثلة في ضروب البلاغة من بيان ومعاني وبديع، فضلاً عن تركيزه على العدول الأسلوبي بوصفه سمة أساسية للانتهاك اللغوي في النص الابداعي. ومن هنا، فقد وضح بشكل مباشر أن الغموض المتمثل في ضروب البلاغة، فضلاً عن الصياغة والبناء والعدول أفضل وأجمل من التصريح، ويعني بذلك الوضوح، لأن الوضوح الذي يصل بالكلام إلى السطحية لا يشكل سمة من سمات العمل الابداعي. يقول السجلماسي:"والمماثلة هي النوع الثالث من جنس التخييل، وحقيقتها التخييل والتمثيل للشيء بشيء له إليه نسبة وفيه منه إشارة وشبهة، والعبارة عنه به، وذلك أن يقصد الدلالة على معنى فيضع ألفاظاً تدل على معنى آخر، ذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الدلالة عليه، فمن قبل ذلك كان له في النفس حلاوة ومزيد إلذاذ، لأنه داخل بوجه ما في نوع الكناية من جنس الإشارة، والكناية أحلى موقعاً من التصريح. ويشبه أن يكون السبب في ذلك هو أن التصريح إنما هو الدلالة على الشيء باسمه الموضوع له بالتواطئ كما قد تقرر في دلالة اللفظ، والدلالة على الشيء بالكناية وطريق المثل إنما هو بطريق الشبه، والشبه –كما قد قيل مراراً- هو أن يكون في الشيء نسبة من شيء أو نسب، وبالجملة هو أن يكون الشيئان في الواحد –بالمشابهة أو المناسبة- الموضوع للصناعة الشعرية فيوضع أحدهما مكان الآخر ويدل عليه، ويكنى به عنه، وفيه –أعني في الواحد بالمشابهة أو بالمناسبة- المكنى به، ما فيه من غرابة النسبة والاشتراك وحسن التلطف لسياقة التشبيه على غير جهة التشبيه، وفي التخييل بذلك كذلك ما فيه من بسط النفس وإطرابها للإلذاذ والاستفزاز الذي في التخييل"(٣٣) .