كما أن استخدام كلمة أسلوب، واطلاقها على الأنماط البلاغة يعد ميزة في بحث موضوع الغموض عند السجلماسي. وبهذا، فإن السجلماسي يكون قد أدرك جوهر الغموض وأهميته من خلال اعتباره أنه الأساس للصناعة الشعرية، ولبنية النص الابداعي.
ثالثاً- الغموض والمتلقي
إن إثارة مشكلة الغموض من صميم البحث في جوهر الشعر أساساً، لأن الشعر يقوم أساساً على الغموض (٤٤) . فالغموض في النص الشعري المثقل بالدلالات والإيحاءات والصور ناتج عن الكثافة والحدة الشعرية. وهذه الحدة الشعرية نابعة من أساليب البلاغة، ولا سيما أسلوب العدول أو الاتساع وهو تجاوز اللغة الشعرية للوصف المباشر والتعبير عن الحقيقة إلى إيحاءات ودلالات إضافية تشكل مجال النص وجوهره.
كما أن الغموض المتولد عن أساليب البلاغة مثل أسلوب الالتفات والتشبيه والاستعارة والمجاز والتورية والكناية وغيرها يخلق نوعاً من تعدد احتمالات المعنى، فضلاً عن اتساع دائرة التأويل والتفسير الناجمة عن هذا الغموض. فالغموض بهذا المعنى يشكل جوهر الشعر، وهو نتيجة أساسية تميز النص الشعري عن غيره، وتمنحه الخصوصية الفنية والجمالية (٤٥) .
فالمتلقي يحتل مساحة مهمة ومركزية في العملية الابداعية، ويعد المتلقي محاوراً رئيساً للنص الابداعي، بل ومشاركاً في إعادة انتاجه وخلقه. فالعملية الابداعية لا تتم إلا من خلال أركانها الثلاثة وهي: المبدع والنص والمتلقي (٤٦) .