كما ربط السجلماسي أسلوب التشكيك بالغموض الناتج عن الخفاء والشك والالتباس والاختلاط الذي يوقع المتلقي ويدهشه. يقول:"والتشكيك هو إقامة الذهن بين طرفي شك وجزئي نقيض وهو من ملح الشعر وطرف الكلام، وأحد الوجوه التي احتيل بها لإدخال الكلام في القلوب وتمكين الاستفزاز من النفوس وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا يميز أحدهما من الآخر، فلذلك كان له في النفس حلاوة وحسن موقع. بخلاف نوع الغلو والسبب في ذلك أن المتكلم موهم أن ذهنه قد قام متحيراً بين طرفي الشك وجزئي النقيض لشدة الالتباس والاختلاط بينهما، وعدم التمييز بين الأمرين لخفائه على النفس على القصد الأول في طرفي النقيض ودأبهما. فلذلك فالقول المشكك هو في النهاية من المبالغة. والغاية في التلطف للتشبيه. وتقريب الشيئين أحدهما من الآخر لتمكين عدم الفرق والفصل بينهما"(٤٣) .
ويمكن القول أخيراً أن السجلماسي لم يستخدم كلمة الغموض مباشرة، وربما يعود السبب في ذلك لدلالتها السلبية ظاهرياً، ولذلك فقد استخدم مرادفات الغموض المتمثلة في أساليب البيان والمعاني والبديع، مركزاً على أسلوب الكناية والإشارة والرمز والتعريض والتلويح والتورية والتتبيع والتشكيك والغلو، فضلاً عن أسلوب العدول أو التجاوز أو الاتساع. فهذه الأساليب تجسد عند السجلماسي جوهر الصناعة الشعرية وأساسها، وهذا ما تميز به السجلماسي في موضوع الغموض.
فقد ربط السجلماسي أساليب البلاغة بالكذب والمبالغة لما لهذا الأسلوب من قدرة على إضفاء الخصوصية الفنية والجمالية على النص الابداعي، مما يستفز المتلقي ويجعله قريباً ومحاوراً للنص من خلال التأويل وتعدد الاحتمالات. فهذا التأويل وتعدد الاحتمالات ناشئ عن المستوى الفني المتمثل في الأساليب البلاغية.