صدقها. وقوم يرون أن القضية الشعرية إنما تؤخذ من حيث الامتناع، فالموضوع للصناعة الشعرية عندهم الممتنعات" (٤٠) .
فالأشياء الممتنعة هي التي لا تعطي نفسها لقارئ إلا بعد مماطلة وروية وتفكر، وهذا هو ديدن العمل الابداعي. فالأساليب البلاغية هي التي تخرج اللغة فيها من وصف الحقيقة المباشرة إلى المستوى الفني الذي يضفي على النص سمة الجمال والحيوية التي تستفز القارئ إليه، وتجعله يفكر ويطيل النظر في الاحتمالات المتعددة والتساؤلات التي يتركها النص في فكره. ولهذا فقط ربط السجلماسي أساليب البلاغة ومن ضمنها المجاز بالصناعة الشعرية، وجعلها أساس هذه الصناعة وجوهرها. كما ربط هذه الأساليب بالمتلقي بوصفه المحاور للنص الابداعي. يقول السجلماسي: "واسم المجاز مأخوذ في هذا الموضوع من علم البيان بخصوص، ففيه استعمال عرفي بحسب الصناعة، وقول جوهره هو القول المستفز للنفس المتيقن كذبه، المركب من مقدمات مخترعة كاذبة" (٤١) .
وربط السجلماسي أسلوب الالتفات بالغرابة والغموض، لأنه فيه يتحول من معنى لآخر في النص الابداعي، مما يجعل المتلقي إزاء دائرة واسعة من التأويل، وتعدد الاحتمالات، وهذا الأسلوب يضفي نوعاً من اللذة على نفسية المتلقي، وذلك من خلال انتهاك النسق اللغوي المألوف في الوصف المثالي. فانتقال الكلام الابداعي من صيغة إلى صيغة، ومن خطاب إلى غيبة، ومن غيبة إلى خطاب يجسد لوناً من ألوان الغموض الفني الذي يميز النص الابداعي. يقول: "الالتفات: وهو عند قوم خطاب التلون. والموطئ ها هنا أيضاً كالموطئ في جنسه. والفاعل هو: ما تقرر عند تقسيم جنسه، وهو تردد المتكلم في الوجوه... وفائدة هذا الأسلوب من النظم والفن من البلاغة استقرار السامع والأخذ بوجهه، وحمل النفس بتنويع الأسلوب وطراءة الافتنان على الإصغاء للقول والارتباط بمفهومه" (٤٢) .