وضمن هذا الفهم لأهمية الغموض وعلاقته بالمتلقي، فقد ربط عبد القاهر الجرجاني النص الابداعي بالمتلقي، مبيناً دور النص المثقل بالدلالات المجازية، في شد المتلقي واستفزازه من خلال علاقة الحوار والمشاركة بين النص والمتلقي، فالغموض ناشئ عن الدلالات المجازية، والتجاوز للمألوف في التعبير والإيحاء والصورة، وبهذا يقع المتلقي في دائرة التأويل والتفسير، ويصبح مشاركاً فاعلاً في خلق النص وإعادة إنتاجه مما يفرض حالة من الإرهاق الفكري والنفسي على المتلقي. يقول الجرجاني بهذا الخصوص:"هذا –وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله فهل تشك في أن الشاعر الذي أداه إليك، ونشر بزه لديك، قد تحمل فيه المشقة الشديدة، وقطع إليه الشقة البعيدة، وأنه لم يصل إلى دره حتى غاص، وأنه لم ينل المطلوب حتى كابد منه الامتناع والاعتياص؟ ومعلوم أن الشيء إذا علم أنه لم ينل في أصله إلا بعد التعب، ولم يدرك إلا باحتمال النصب، كان للعلم بذلك من أمره من الدعاء إلى تعظيمه، وأخذ الناس بتفخيمه، ما يكون لمباشرة الجهد فيه، وملاقاة الكرب دونه، وإذا عثرت بالهوينا على كنز من الذهب لم تخرجك سهولة وجوده إلى أن تنسى جملة أنه الذي كد الطالب، وحمل المتاعب، حتى إن لم تكن فيك طبيعة من الجود تتحكم عليك...."(٤٨) .