للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ت٥٣٨ هـ) : ((بل أنتم قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، فلذلك تفرحون بما تزادون به ويهدي إليكم؛ لأن ذلك مبلغ همتكم.. فإن قلت فما وجه الإضراب؟ ، قلت: لما أنكر عليهم الإمداد وعلل إنكاره، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضا ولا فرح إلا أن يهدي إليهم حظ من الدنيا التي لا يعلمون غيرها)) (١) .

فلما ارتحلت ملكة سبأ إلى سليمان عليه السلام طائعة واستبان له ما لهذه المرأة من حصافة ورجاحة عقل اتخذ أسلوب الحكمة في دعوتها إلى الإيمان بالله تعالى، قال ابن زيد:

((أعلم الله سليمان أنها ستأتيه فقال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِين} (٢) حتى يعاتبها، وكانت الملوك يتعاتبون بالعلم)) (٣) ، وأراد سليمان عليه السلام أن يبين لملائه أنه يتأتى بالحكمة والعلم ما لا يتأتى بالقوة، فطلب منهم ذلك ليكون مثلاً لتغلب العلم على القوة (٤) {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} (٥) ، وفي هذا تنبيه على الذي عنده علم من الكتاب - وهو رجل من أهل الحكمة - اقتدر على ذلك وتغلب على العفريت مع ما فيه من شدة بقوة العلم وليس بالشدة (٦) .


(١) الكشاف ٣/١٤٨.
(٢) النمل، الآية ٣٨
(٣) الطبري: جامع البيان ١٩/١٦٠.
(٤) انظر محمد الطاهر: التحرير والتنوير ١٩/٢٧١.
(٥) النمل، الآيتان ٣٩،٤٠.
(٦) انظر البقاعي: نظم الدرر ١٤/١٦٤، محمد الطاهر: التحرير والتنوير ١٩/٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>