للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سياسته الخارجية فقد تجلت بعض جوانبها في قصته مع ملكة سبأ، وقد تركزت حكمته عليه السلام في جميع مراحلها في تفعيل العلم الصحيح لأنه أمضى من قوة السلاح وغيره، فإنه لما جاء الهدهد بخبر قوم سبأ تثبّت عليه السلام أولاً من صحة الخبر، ولم يستفزه طمع ولم يسيطر عليه غضب، ((وإنما طلب الانتهاء إلى ما أخبر وتحصيل علم ما غاب من ذلك حتى يغيره بالحق ويرده إلى الله تعالى)) (١) {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (٢) ، وقد سبق الحديث عما اشتمل عليه هذا الكتاب من قول الحكمة في مبحث الفصاحة.

فلما استشارت الملكة ملأها {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} (٣) ، فأحست منهم الميل إلى المحاربة ورأت أن تستخدم مالها بدلاً من القوة، إذ قالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (٤) فتبين له قصدها من الهدية أن تصانعه لتصرفه عمّا تضمنه كتابه بالرشوة (٥) ، فأجابهم بقوله: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} (٦) ، قال الزمخشري


(١) المصدر السابق ٣/١٤٥٨.
(٢) النمل، الآية ٢٧.
(٣) النمل، الآية ٣٣.
(٤) النمل، الآية ٣٥.
(٥) انظر ابن العربي: أحكام القرآن ٣/١٤٦٠، محمد الطاهر: التحرير والتنوير ١٩/٢٦٨.
(٦) النمل، الآية ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>